والأسواق قد غلب على أَهلهَا الْغَلَط وَاللَّهْو والاشتغال بِجمع المَال والتكالب على الدُّنْيَا من الْوَجْه الْمُبَاح وَغَيره، وَأَنه إِذا ذكر الله فِي السُّوق فَهُوَ من أفضل الْأَعْمَال.
ورُوي عَن مُحَمَّد بن وَاسع أَنه قَالَ: " سَمِعت سَالم بن عبد الله يَقُول: من دخل السُّوق فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير كتبت لَهُ ألف حَسَنَة وتمحى عَنهُ ألف ألف سَيِّئَة وَبنى لَهُ بَيت فِي الْجنَّة.
وَكَذَلِكَ إِذا لغى فِي الْمَسْجِد ولغط فِيهِ أَو عصى ربّه لم يضّر الْمَسْجِد وَلَا نقص من فَضله وَإِنَّمَا أضرّ نَفسه، وَبَالغ فِي إثمه.
وَقد روى عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: " من عصى الله فِي الْمَسْجِد فَكَأَنَّمَا عَصَاهُ فِي الْجنَّة. وَمن عَصَاهُ فِي الْحمام فَكَأَنَّمَا عَصَاهُ فِي النَّار. وَمن عَصَاهُ فِي الْمقْبرَة فَكَأَنَّمَا عَصَاهُ فِي عرصات الْقِيَامَة. وَمن عَصَاهُ فِي الْبَحْر فَكَأَنَّمَا عَصَاهُ على كف الْمَلَائِكَة ".
وَذهب الْمُهلب فِي حَدِيث عَائِشَة إِلَى من كثر سَواد العصاة تلْزمهُ الْعقُوبَة مَعَهم. وَإِن مَالِكًا استنبط من الحَدِيث معاقبة جليس شَارِب الْخمر وَإِن لم يشرب. وَهَذَا عِنْدِي مَرْدُود فَإِن الْعقُوبَة الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث هِيَ المحنة السماوية والمحن السماوية لَا تقاس بهَا الْعُقُوبَات الشَّرْعِيَّة. وَلِهَذَا قَالَ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: " ويبعثون على نياتهم " دلّ على أَن الْمُقَاتلَة عوقبوا والسوقة امتحنوا مَعَهم فِي الدُّنْيَا خاصّة. ثمَّ وَرَاء ذَلِك نظر فِي مصاحبة أهل الْفِتْنَة للتِّجَارَة مَعَهم هَل هِيَ من قبيل إعانتهم على مَا هم عَلَيْهِ؟ أَو يُقَال: إِن ضَرُورَة الْوُجُود توجب معاملتهم، وكل على