قلت: فهم من قَوْله عز وَجل: {وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} [الزلزلة: 8] فِي تِلْكَ القذاة من ذرة. وَكَأَنَّهُ تورع أَن ينزه لحيته عَن شَيْء وَلَا ينزه عَنهُ الْمَسْجِد.
وَمن نَوَادِر الْمَنْقُول فِي حفظه، أَن أهل بَغْدَاد امتحنوه بِمِائَة حَدِيث حولوا أسانيدها وبدلوها، ثمَّ عرضهَا عَلَيْهِ عَارض فِي المحفل، فَجعل يَقُول فِي كل حَدِيث: لَا أعرفهُ. فاستقصر النظارة حفظه، فَلَمَّا أتم الْمعَارض الْمِائَة عطف البُخَارِيّ عَلَيْهَا فَجعل يَقُول: أما الحَدِيث الأول فَهُوَ كَذَا، وَإِسْنَاده عِنْدِي كَذَا، إِلَى أَن انْتهى إِلَى آخر فجوّدها من حفظه، فَأقر الْكل لَهُ بِالْفَضْلِ وبإحراز الحصل.
قَالَ سيدنَا - رَضِي الله عَنهُ - قلت:
أَنه امتحن بمناواة مُحَمَّد بن يحي الذهلي، وَكَانَ مُحَمَّد هَذَا من جملَة مشايخه، ومتعيناً فِي عصره، مُتَقَدما بِالسِّنِّ، ومتخصصاً بِالْفَضْلِ، وانتصاباً للإفادة، واشتهاراً زَائِدا على الْعَادة، وأمراً مُطَاعًا حَقًا مراعاً. وَاقْتضى لَهُ مَجْمُوع هَذِه الْأَحْوَال أَن ظهر على البُخَارِيّ، وَعبر فِي وَجه وجاهته، ووكر فِي اعْتِقَاد الْخلق صفو نزاهته، إِلَى أَن نَادَى عَلَيْهِ أَن لَا يجلس أحد إِلَيْهِ، فَأَقَامَ البُخَارِيّ بُرْهَة من الزَّمَان وحيداً فريداً، ثمَّ لم يكفه حَتَّى أجلاه عَن الوطن غَرِيبا شَرِيدًا، وانقسم