ذَوَاتَيْ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ فِي حُكْمِ الْحُرْمَةِ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ فِي الْمَنْصُوصِ لَا يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حُرْمَةُ الْجَمْعِ بِالنَّصِّ لَا صِيَانَةُ الرَّحِمِ عَنْ الْقَطِيعَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ قَرَابَةٌ يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا، ثُمَّ كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَرَامًا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا فَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْأُخْتَيْنِ نَسَبًا زَادَ فِي التَّفْرِيعِ هُنَا، فَقَالَ: إنْ تَزَوَّجَهَا فِي عُقْدَةٍ وَدَخَلَ بِهِمَا فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِمَا الْعِدَّةُ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَارِعَةً فِي الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ بِسَبَبِ الْوَطْءِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمُوجِبُ لِلْعِدَّةِ شُبْهَةُ النِّكَاحِ وَرَفْعُ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِالتَّفْرِيقِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ وَطْأَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَبَعْدَهُ يَلْزَمُهُ فَلَا تَصِيرُ شَارِعَةً فِي الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَرْتَفِعْ الشُّبْهَةُ، وَذَلِكَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الشُّبْهَةُ أَنَّهُ، وَإِنْ وَطِئَهَا مِرَارًا لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ لِاسْتِنَادِهِ إلَى شُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ بَعْدَ مَا فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْأُخْرَى فِي عِدَّتِهِ وَعِدَّةُ الْأُخْتِ تَمْنَعُ نِكَاحَ الْأُخْتِ، فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا مَعًا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ، وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ إحْدَاهُمَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الَّتِي انْقَضَتْ عِدَّتُهَا؛ لِأَنَّ الْأُخْرَى مُعْتَدَّةٌ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُعْتَدَّةَ؛ لِأَنَّ الْأُخْرَى مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ وَعِدَّةُ هَذِهِ لَا تَمْنَعُ صَاحِبَ الْعِدَّةِ مِنْ نِكَاحِهَا إنَّمَا تَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا، ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فَالْعِدَّةُ عَلَى الَّتِي دَخَلَ بِهَا دُونَ الْأُخْرَى وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُعْتَدَّةَ، وَلَا يَتَزَوَّجَ الْأُخْرَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُعْتَدَّةِ لِمَا بَيَّنَّا
(قَالَ): وَإِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ امْرَأَةً بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ فُجُورٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَتَحْرُمُ هِيَ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ كَانَ الْوَطْءُ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَإِنْ كَانَ بِالزِّنَا لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ»، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَمَّنْ يَبْتَغِي مِنْ امْرَأَةٍ فُجُورًا، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ ابْنَتَهَا، فَقَالَ: لَا بَأْسَ لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ»، وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ يَبْتَغِي مِنْ امْرَأَةٍ حَرَامًا، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ ابْنَتَهَا، فَقَالَ: يَجُوزُ لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ، وَإِنَّمَا يُحَرِّمُ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ النِّكَاحِ» وَعَلَّلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: النِّكَاحُ أَمْرٌ حُمِدْتَ عَلَيْهِ وَالزِّنَا فِعْلٌ رُجِمْتَ عَلَيْهِ فَأَنَّى يَسْتَوِيَانِ، وَمَعْنَى