الْمُشَاوَرَةَ عَلَى مِيزَانِ الْمُفَاعَلَةِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالنُّطْقِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَبِظَاهِرِهِ يَسْتَدِلُّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ حَتَّى تَبْلُغَ فَتُشَاوَرُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ ثَيِّبًا تَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْمُشَاوَرَةِ وَالصَّغِيرَةُ لَيْسَتْ بِأَهْلِ الْمُشَاوَرَةِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْحَدِيثُ.
(قَالَ): وَبَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا فَلَعَلَّ بِهَا دَاءً لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهَا قَبْلُ مَعْنَى هَذَا لَعَلَّهَا رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ، وَذَلِكَ فِي بَاطِنِهَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهَا فَإِذَا زُوِّجَتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْمَارِهَا لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ وَيُنْتَهَكُ سِتْرُهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَشْتَهِي صُحْبَةَ الرِّجَالِ لِمَعْنًى فِي بَاطِنِهَا مِنْ غَلَبَةِ الرُّطُوبَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ اسْتِئْمَارِهَا لَا تُحْسِنُ الْعِشْرَةَ مَعَ زَوْجِهَا أَوْ لَعَلَّ قَلْبَهَا مَعَ غَيْرِ هَذَا الَّذِي تُزَوَّجُ مِنْهُ فَإِذَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ اسْتِئْمَارِهَا لَمْ تُحْسِنْ صُحْبَةَ هَذَا الزَّوْجِ وَوَقَعَتْ فِي الْفِتْنَةِ لِكَوْنِ قَلْبِهَا مَعَ غَيْرِهِ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنْ الْعِشْقِ
(قَالَ): وَبَلَغَنَا عَنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ»، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ شَرْعًا رَضِيَتْ الْحُرَّةُ أَوْ لَمْ تَرْضَ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا رَضِيَتْ الْحُرَّةُ جَازَ قَالَ: لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الْحُرَّةِ لَا لِلْجَمْعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ نِكَاحُ الْأَمَةِ بَقِيَ نِكَاحُهَا بَعْدَ الْحُرَّةِ وَالْجَمْعُ مَوْجُودٌ فَدَلَّ أَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الْحُرَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَغَصُّهَا إدْخَالُ نَاقِصَةِ الْحَالِ فِي فِرَاشِهَا، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِرِضَاهَا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمَنْعُ لَيْسَ لِحَقِّهَا بَلْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ مَضْمُومَةً إلَى الْحُرَّةِ وَهِيَ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الْحُرَّةِ فَإِنَّ الْحِلَّ بِرِقِّهَا يَنْتَصِفُ كَمَا يَنْتَصِفُ بِرِقِّ الرَّجُلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْحُرَّةِ فَهَذَا حَالُ ضَمِّهَا إلَى الْحُرَّةِ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَزُولُ بِرِضَاهَا فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ، وَالْكَلَامُ فِيهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَاسِخٌ لِمَا فِي الْكِتَابِ أَوْ مُبَيِّنٌ بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ ذُكِرَ هَذَا اللَّفْظُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا وَزَادَ فِيهِ وَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ وَبِهِ نَأْخُذُ فَإِنَّ الْقَسْمَ يَنْبَنِي عَلَى الْحِلِّ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ النِّكَاحُ وَحَظُّ الْأَمَةِ فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَظِّ الْحُرَّةِ، وَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ كَمَا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي النَّفَقَةِ لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ وَالْحَاجَةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي النَّفَقَةِ أَيْضًا فَالْحُرَّةُ تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ خَادِمِهَا كَمَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ نَفْسِهَا وَالْأَمَةُ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إلَّا أَنْ يُبَوِّئَهَا الْمَوْلَى بَيْتًا مَعَ زَوْجِهَا
(قَالَ): وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -