دَارًا وَبَنَى فِيهَا بِنَاءً ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ بِنَاءَ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُ الدَّارَ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ وَالْبِنَاءَ وَيُعْطِي الثَّمَنَ وَقِيمَةَ الْبِنَاءِ إنْ شَاءَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ.
وَإِذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلْيَتِيمِ وَعَلِمَ بِهَا الْوَصِيُّ أَوْ الْأَبُ فَلَمْ يَطْلُبْهَا فَلَيْسَ لِلْيَتِيمِ شُفْعَةٌ إذَا أَدْرَكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَهُ الشُّفْعَةُ إذَا أَدْرَكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي الشُّفْعَةِ، وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ.
وَكَذَلِكَ إذَا صَالَحَ رَجُلٌ عَنْ الْمَطْلُوبِ وَالْمَطْلُوبُ مُتَغَيِّبٌ أَوْ أَخَّرَ الطَّالِبُ عَنْهُ الدَّيْنَ وَهُوَ مُتَغَيِّبٌ جَازَ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ تَبَرُّعٌ عَنْ الْمَطْلُوبِ بِالْأَجَلِ وَلَوْ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ لَمْ يَتِمَّ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَبَرَّعَ عَلَيْهِ بِالْأَجَلِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ التَّأْجِيلُ إسْقَاطٌ لِلْمُطَالَبَةِ إلَى مُدَّةٍ وَالْإِسْقَاطُ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ وَحْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ وَهَذَا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ الطَّالِبِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ خَالِصُ حَقِّهِ وَلَيْسَ فِي التَّأْجِيلِ إلَّا إسْقَاطُ الْمُطَالَبَةِ فَإِذَا كَانَ تَصَرُّفُهُ لَا يَمَسُّ جَانِبَ الْمَطْلُوبِ كَانَ صَحِيحًا مَعَ غَيْبَتِهِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْقَاتِلِ وَإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ.
وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ مِنْ الْفُضُولِيِّ لَا يَمَسُّ الْمَطْلُوبَ فَإِنَّ الطَّالِبَ يَسْقُطُ حَقُّهُ بِعِوَضٍ يَلْزَمُهُ الْمُتَوَسِّطُ وَقَدْ صَحَّ الْتِزَامٌ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ فِي مَالِهِ فَغَيْبَةُ الْمَطْلُوبِ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَالٍ شَرَطَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مَعَ غَيْبَةِ الْمَرْأَةِ وَيَجِبُ الْمَالُ عَلَى الضَّامِنِ.
وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ عَنْ صُلْحٍ أَوْ بَاعَ بَيْعًا أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الطَّالِبَ أَكْرَهَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهُ أَكْرَهَهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَرُدُّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ إكْرَاهًا فِي مَوْضِعِهِ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ تَنْبَنِي عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْإِكْرَاهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ السُّلْطَانِ فَإِكْرَاهُ الرَّعِيَّةِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ وَعِنْدَهُمَا يَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ مِمَّنْ يَكُونُ قَادِرًا عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَيَقُولَا الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَلَوْ غَائِبًا أَوْ أَكْرَهَ مَنْ عَامَلَهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ نُفُوذُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَمْتَنِعُ نُفُوذُهُ فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ إلَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا إنَّمَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَذَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعِهِ بِأَنْ كَانَ يَتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهَ مِنْ مِثْلِهِ لَهُ.
وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ