فَابْنُ أَبِي لَيْلَى جَعَلَ مَنْعَهُ لِلْخَوَارِجِ كَمَنْعِهِ أَهْلَ الْحَرْبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ تَتَنَاوَلُ الدَّيْنَ، وَالتَّأْوِيلُ الَّذِي لِلْخَوَارِجِ أَقْرَبُ إلَى الصِّحَّةِ مِنْ تَأْوِيلِ الْكُفَّارِ فَإِذًا كَانَ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ الْمَنَعَةِ وَالتَّأْوِيلِ يَمْلِكُونَ مَا أَخَذُوا مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ فَكَذَلِكَ الْخَوَارِجُ يَمْلِكُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا قَتَلَ الْخَوَارِجَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَنَعَةً، وَثُبُوتُ هَذَا الْحُكْمِ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْمَنَعَةِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ وَجَبَ رَدُّهَا عَلَى أَهْلِهَا وَبِهَذَا لَا يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا كَمَا لَوْ اسْتَوْلَى الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ وَقَعَتْ فِي الْغَنِيمَةِ فَوَجَدَهَا أَصْحَابُهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، رُدَّتْ عَلَيْهِمْ مُحَابَاةً وَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ مَلَكُوهَا فَهَذَا مِثْلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّسْوِيَةِ أَنَّ الْخَوَارِجَ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوا مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَنُفُوسِهِمْ، كَمَا لَا يَضْمَنُ أَهْلُ الْحَرْبِ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا سَوَّى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْخَوَارِجِ فَهَذَا اسْتِيلَاءُ الْمُسْلِمِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ كَغَصْبِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ مَالَ بَعْضِهِمْ، وَتَقْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَنَعَةَ الْخَوَارِجِ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْمِلْكُ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَتِمَّ الْقَهْرُ وَتَمَامُهُ بِالْإِحْرَازِ بِدَارٍ تُخَالِفُ دَارَ صَاحِبِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ بَعْدَ إحْرَازِ الْخَوَارِجِ الْمَالَ بِمَنَعَتِهِمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنَّ قَهْرَهُمْ يَتِمُّ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ، وَمَا كَانَ مَنَعَةُ الْخَوَارِجِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا كَمَنَعَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا مَا دَامُوا فِي دَارِنَا وَإِنْ كَانُوا مَمْنُوعِينَ فَكَذَلِكَ الْخَوَارِجُ فَلَا فَرْقَ فَإِنَّا لَوْ قَدَرْنَا عَلَى الْخَوَارِجِ اسْتَبَيْنَاهُمْ وَرَدَدْنَا الْمَالَ عَلَى صَاحِبِهِ كَمَا لَوْ أَنَّا قَدَرْنَا عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَرَضْنَا عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ وَرَدَدْنَا الْمَالَ عَلَى صَاحِبِهِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمَالَ مَا دَامَ مُحْرَزًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا يُمْلَكُ بِالْقَهْرِ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَازِ مَعْصُومٌ وَالْقَهْرُ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي مَحَلٍّ مُبَاحٍ لَا فِي مَحَلٍّ مَعْصُومٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الصَّيْدَ الْمُبَاحَ يُمْلَكُ بِالْأَخْذِ وَالصَّيْدَ الْمَمْلُوكَ لَا يُمْلَكُ بِالْأَخْذِ، فَبِإِحْرَازِ الْمُشْرِكِينَ الْمَالَ بِدَارِهِمْ يَبْطُلُ حُكْمُ الْإِحْرَازِ وَالْعِصْمَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَلِهَذَا لَا يَمْلِكُونَهُ بِإِحْرَازِ الْخَوَارِجِ الْمَالَ بِمَنَعَتِهِمْ وَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْإِحْرَازِ وَالْعِصْمَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَلِهَذَا لَا يَمْلِكُونَهُ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ الْخَوَارِجَ وَهُوَ بَاقٍ بِعَيْنِهِ رُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَوْ صَارَ ذَلِكَ مَمْلُوكًا لَهُمْ لَكَانَ مِيرَاثًا عَنْهُمْ إذَا قُتِلُوا.
فَأَمَّا سُقُوطُ الضَّمَانِ فَهُوَ حُكْمٌ ثَبَتَ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ