قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ.

فَأَمَّا ابْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ: إنَّ مَالَهُ بِالتَّفْلِيسِ وَالْحَبْسِ صَارَ حَقًّا لِغُرَمَائِهِ فَإِعْتَاقُهُ صَادَفَ مَحَلًّا هُوَ حَقُّ الْغَيْرِ وَفِيهِ إضْرَارٌ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِّ فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ صَاحِبِ الْحَقِّ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَرْهُونِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الرَّاهِنِ لِاشْتِغَالِهِ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْعَبْدُ لَا يَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّفْلِيسِ وَالْحَبْسِ فِي الدَّيْنِ وَلَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلْغَرِيمِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ شَيْئًا مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْغَرِيمِ لَا يَنْفُذُ فَإِذَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهِ لِأَنَّ شَرْطَ نُفُوذِ الْعِتْقِ مِلْكُ الْمَحَلِّ وَالْأَهْلِيَّةُ فِي الْعِتْقِ وَبَعْدَ وُجُودِهِمَا لَا يَمْتَنِعُ نُفُوذُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْغَيْرِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ عِتْقَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَنْفُذُ فِي نَصِيبِهِ وَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُهُ وَكَذَلِكَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفُذُ وَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْبَائِعُ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا.

وَإِذَا أَعْطَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ مَتَاعًا يَبِيعُهُ لَهُ وَلَمْ يُسَمِّ بِالنَّقْدِ وَلَا بِالنَّسِيئَةِ فَبَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْبَائِعُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الْمَتَاعِ يَدْفَعُهَا إلَى الْآمِرِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ مُعْتَبَرٌ بِمُطْلَقِ إيجَابِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ مُنْصَرِفٌ إلَى النَّقْدِ خَاصَّةً فَكَذَلِكَ هَذَا وَإِذَا انْصَرَفَ إلَى النَّقْدِ كَانَ هُوَ مُخَالِفًا إذَا بَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ ضَامِنًا قِيمَتَهُ لِلْآمِرِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِبَيْعِ مَتَاعِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الثَّمَنِ إمَّا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى عِيَالِهِ وَالثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا لِلْوَكِيلِ كَانَ هُوَ مُخَالِفًا فِي بَيْعِهِ بِالنَّسِيئَةِ فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ بِالْعُرْفِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْأَمْرُ مُطْلَقٌ فَتَقْيِيدُهُ بِالْبَيْعِ بِالنَّقْدِ يَكُونُ زِيَادَةً وَمِثْلُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْعُرْفُ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا لِهَذَا فَالْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِالْبَيْعِ لِلِاسْتِرْبَاحِ، وَالرِّبْحُ إنَّمَا يَحْصُلُ أَكْثَرُهُ بِالْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ ثُمَّ يَفْسُدُ الْمُطْلَقُ فِي مَعْنَى نَسْخِ حُكْمِ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْعُرْفِ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ وَالشَّيْءُ لَا يَنْسَخُهُ مَا دُونَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَّ عَلَى التَّقْيِيدِ وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرَ إيجَابِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَمَلَ هُنَاكَ بِالْإِطْلَاقِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِثَمَنٍ مُقَيَّدٍ بِوَصْفٍ إمَّا النَّقْدُ أَوْ النَّسِيئَةُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُهُ مِنْكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ شِئْتَ بِالنَّقْدِ وَإِنْ شِئْتَ بِالنَّسِيئَةِ؛ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ فَإِنَّ الْعَمَلَ بِالْإِطْلَاقِ هُنَا مُمْكِنٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْهُ بِالنَّقْدِ أَوْ بِالنَّسِيئَةِ كَانَ صَحِيحًا وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ نَفَذَ بِسَبَبِ حَرَامٍ وَهَذِهِ الْحُرْمَةُ كَانَتْ لِحَقِّ الْأَمْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015