يُوَضِّحُهُ: أَنَّ الْآدَمِيَّ حَيَوَانٌ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَالْأَصْلُ فِي الْقِيمَةِ الدَّرَاهِمُ، وَالدَّنَانِيرُ إلَّا أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِبِلِ كَانَ بِطَرِيقِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَابَ الْإِبِلِ، وَكَانَتْ النُّقُودُ تَتَعَسَّرُ مِنْهُمْ؛ وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَوْفُونَ الدِّيَةَ عَلَى أَظْهَرِ الْوُجُوهِ؛ لِيَنْدَفِعَ بِهَا بَعْضُ الشَّرِّ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ فِي الْإِبِلِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي النُّقُودِ فَكَانَتْ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ بِهَا مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفَاتِ.
ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ مِنْ الْإِبِلِ تَجِبُ أَخْمَاسًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَالسِّنُّ الْخَامِسُ عِنْدَنَا ابْنُ مَخَاضٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ابْنُ لَبُونٍ فَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَضَى فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ» يَعْنِي مِنْ الْأَسْنَانِ الَّتِي تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ، وَابْنُ مَخَاضٍ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ، وَلِابْنِ اللَّبُونِ مَدْخَلٌ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ».
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسٌ عِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، عِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ»، وَاسْمُ الْإِبِلِ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْهُ وَابْنُ الْمَخَاضِ أَدْنَى مِنْ ابْنِ اللَّبُونِ؛ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ ابْنَ اللَّبُونِ بِمَنْزِلَةِ بِنْتِ الْمَخَاضِ فِي الزَّكَاةِ فَإِيجَابُ ابْنِ اللَّبُونِ هَاهُنَا فِي مَعْنَى إيجَابِ أَرْبَعِينَ مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ فَالْمُرَادُ إعْطَاءُ الدِّيَةِ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ عَنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ لِحَاجَتِهِمْ لَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْأَسْنَانِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الصَّدَقَةِ ثُمَّ ابْنُ الْمَخَاضِ يَدْخُلُ فِي الصَّدَقَةِ عِنْدَنَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَدْخُلُ ابْنُ اللَّبُونِ؛ لِأَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ عِنْدَنَا يُسْتَوْفَى بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ ابْنُ الْمَخَاضِ، وَأَمَّا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ تَجِبُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ ابْنِ لَبُونٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدٌ: تَجِبُ أَثْلَاثًا ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ وَكُلُّهَا خَلِفَةٌ، وَالْخَلِفَةُ هِيَ الْحَامِلُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَجِبُ أَثْلَاثًا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ خَلِفَةً.
وَقَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَجِبُ أَثْلَاثًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْنَانِ مِنْ كُلِّ سِنٍّ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَاحْتَجَّ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ فِي خُطْبَةِ عَامِ حِجَّةِ الْوَدَاعِ