إلَى جَوْفِ الرَّأْسِ، وَهِيَ الدِّمَاغُ، وَإِنْ نَفَذَتْ الْجَائِفَةُ فَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْجَائِفَتَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ جَانِبِ الْبَطْنِ، وَالْأُخْرَى مِنْ جَانِبِ الظَّهْرِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْ الْأَصَابِعِ ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعُ إذَا كَانَ فِيهَا ثَلَاثَةِ مَفَاصِل وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَفْصِلَانِ فَفِي كُلِّ مَفْصِلٍ نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ؛ لِأَنَّ الْمَفَاصِلَ لِلْأُصْبُعِ كَالْأَصَابِعِ لِلْيَدِ فَكَمَا أَنَّ دِيَةَ الْيَدِ تَتَوَزَّعُ عَلَى الْأَصَابِعِ عَلَى التَّسَاوِي فَكَذَلِكَ دِيَةُ الْأُصْبُعِ تَتَوَزَّعُ عَلَى الْمَفَاصِلِ عَلَى التَّسَاوِي، فَالْأُصْبُعُ إذَا كَانَتْ ذَاتَ مَفْصِلَيْنِ كَالْإِبْهَامِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ مَفْصِلٍ نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ، وَإِذَا كَانَتْ ذَاتَ ثَلَاثَةِ مَفَاصِلَ فَفِي كُلِّ مَفْصِلٍ ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا لَا يُفَضَّلُ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا عِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ بِنْتُ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ ابْنُ مَخَاضٍ.
وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي فُصُولٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الدِّيَةَ مِنْ الْإِبِلِ مِائَةٌ عَلَى مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ»، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الدَّرَاهِمَ، وَالدَّنَانِيرَ فِي الدِّيَةِ أَصْلٌ أَمْ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الْإِبِلِ، فَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا أَصْلٌ، وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يَدْخُلَانِ عَلَى وَجْهِ قِيمَةِ الْإِبِلِ وَتَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ قِيمَةِ الْإِبِلِ وَيُحْكَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَوَّلًا وُجُوبُهُمَا عَلَى سَبِيلِ قِيمَةِ الْإِبِلِ، وَلَكِنَّهُمَا قِيمَةٌ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا بِالنَّصِّ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا، وَلَا يُنْقَصُ عَنْهَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: هُمَا أَصْلَانِ فِي الدِّيَةِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ قِيمَةُ كُلِّ بَعِيرٍ أُوقِيَّةٌ ثُمَّ غَلَبَ الْإِبِلُ فَصَارَتْ قِيمَةُ كُلِّ بَعِيرٍ أُوقِيَّةً وَنِصْفًا ثُمَّ غَلَبَتْ فَصَارَتْ قِيمَةُ كُلِّ بَعِيرٍ أُوقِيَّتَيْنِ فَمَا زَالَتْ تَعْلُو حَتَّى جَعَلَهَا عُمَرُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ»، وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَضَى فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ».
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «دِيَةُ كُلِّ ذِي عَمْدٍ فِي عَمْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ» وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَضَاؤُهُ ذَلِكَ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالدِّيَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الدِّيَةِ الْإِبِلَ، وَهِيَ دَيْنٌ، وَالدَّرَاهِمُ، وَالدَّنَانِيرُ بَدَلٌ عَنْهَا كَانَ هَذَا دَيْنًا بِدَيْنٍ وَنَسِيئَةً بِنَسِيئَةٍ، وَذَلِكَ حَرَامٌ شَرْعًا