لِلْمُشْتَرِي عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي ضَاعَ فِي يَدِ الْمُفْسِدِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ كَانَ بِتَسْلِيمٍ مِنْهُ، وَتَسْلِيطُهُ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يَدْخُلُ بِهِ الْمَقْبُوضُ فِي ضَمَانِهِ، وَهُوَ فِي هَذَا كَاَلَّذِي لَمْ يَبْلُغْ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ - يَدْفَعُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ، فَاسْتَهْلَكَهُ بَيْنَ يَدَى الشُّهُودِ، ثُمَّ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَنْقُضُ بَيْعَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمَحْجُورَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَيَكُونُ هُوَ ضَامِنًا لِمَا اُسْتُهْلِكَ مِنْ الثَّمَنِ.

وَلِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ إنْ رَأَى النَّظَرَ فِيهِ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ، أَوْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا اشْتَرَاهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْجُورُ حِينَ قَبَضَ الثَّمَنَ أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ نَفَقَةَ مِثْلِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ حَجَّ بِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، أَوْ أَدَّى مِنْهُ زَكَاةَ مَالِهِ، أَوْ صَنَعَ فِيهِ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَصْنَعَهُ عِنْدَ طَلَبِهِ، ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ نَظَرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ فِيهِ رَغْبَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ أَجَازَ الْبَيْعَ، وَأَبْرَأَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْفَسَادِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ لَوْ طَلَبَهُ مِنْ الْقَاضِي وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ كَانَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُنَفِّذَهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنَى الْفَسَادِ، فَفِيمَا لَا فَسَادَ فِيهِ، هُوَ كَغَيْرِهِ، وَالنَّظَرُ لَهُ فِي تَنْفِيذِ هَذَا التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فِي كُلِّ حَاجَةٍ، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَرْحِ الْبَيِّنِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي تَصَرُّفِهِ مُحَابَاةٌ، فَأَبْطَلَ الْقَاضِي ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ الثَّمَنُ عَنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِيهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَسَادَ فِيمَا صُرِفَ الْمَالُ إلَيْهِ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَفِيمَا لَا فَسَادَ فِيهِ هُوَ كَالرَّشِيدِ، فَيَصِيرُ الْمَقْبُوضِ دَيْنًا عَلَيْهِ يَصْرِفُهُ لَهُ فِي حَاجَتِهِ، وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا، فَقَضَى بِهِ مَهْرَ مِثْلِ الْمَرْأَةِ قَضَى الْقَاضِي الْقَرْضَ مِنْ مَالِهِ.

فَإِنْ كَانَ اسْتَقْرَضَهُ لِذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَهُ حَالَ فَسَادِهِ، وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ الْمَالَ إلَى وَجْهِ التَّبْذِيرِ، وَالْفَسَادِ وَهُوَ كَانَ مَحْجُورًا عَنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ، فَأَمَّا مَا صَرَفَهُ إلَى مَهْرِ مِثْلِ امْرَأَتِهِ فَإِنَّمَا صَرَفَهُ إلَى مَا فِيهِ نَظَرٌ لَهُ، وَهُوَ إسْقَاطُ الصَّدَاقِ عَنْ ذِمَّتِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ مَحْبُوسًا فِيهِ، أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَمْنَعُ نَفْسَهَا مِنْهُ لِذَلِكَ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُقْرِضَ مَمْنُوعٌ مِنْ دَفْعِ مَالِ نَفْسِهِ إلَيْهِ لِيَصْرِفَهُ إلَى تَبْذِيرِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لَهُ عَلَى الْفَسَادِ، فَيَكُونُ مُضَيِّعًا مَالَهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَى أَنْ يُقْرِضَهُ لِيَصْرِفَهُ إلَى مَهْرِ مِثْلِ امْرَأَتِهِ، فَلَا يَكُونُ بِهِ مُضَيِّعًا مَالَهُ، وَلَوْ اسْتَقْرَضَ مَالًا، فَأَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ نَفَقَةَ مِثْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَجَازَ ذَلِكَ لَهُ، وَقَضَاهُ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَسَادَ فِيمَا صَنَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَنْفَقَهُ بِإِسْرَافٍ حَسَبِ الْقَاضِي لِلْمُقْرِضِ مِنْ ذَلِكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015