كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَدْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، فَإِنَّ الطَّلَاقَ هُنَاكَ بَائِنٌ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْأَمَةِ الْمَالَ صَحِيحٌ فِي حَقِّهَا حَتَّى يَلْزَمَهَا الْمَالُ إذَا أُعْتِقَتْ، فَلِوُجُوبِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَفِي الْمُفْسِدَةِ، وَالصَّغِيرَةِ الْمَالُ لَا يَجِبُ بِقَبُولِهَا أَصْلًا حَتَّى إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مَعَ رِقِّهَا مُفْسِدَةً مِمَّنْ لَوْ كَانَتْ حُرَّةً لَمْ يُجِزْ أَمْرَهَا فِي مَالِهَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهَا الْمَالَ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ نَفْسِهَا حَتَّى لَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ إذَا أُعْتِقَتْ.
وَلَوْ أَنَّ غُلَامًا أَدْرَكَ مُفْسِدًا، فَلَمْ يَرْفَعْ أَمْرَهُ إلَى الْقَاضِي حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ، وَأَقَرَّ بِدُيُونٍ، وَوَهَبَ هِبَاتٍ، وَتَصَدَّقَ بِصَدَقَاتٍ، ثُمَّ رُفِعَ أَمْرُهُ إلَى الْقَاضِي، فَإِنَّهُ يُبْطِلُ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ مِنْهُ مَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَاسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ بِمَنْعِ الْمَالِ مِنْهُ، فَإِنَّ الْوَصِيَّ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي لَمَا مُنِعَ الْمَالُ مِنْهُ، وَمَنْ يَقُولُ: لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي لَمَا مُنِعَ، وَيَكُونُ تَصَرُّفُهُ جَائِزًا، فَقَدْ دَخَلَ فِيمَا قَالَ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا الْحَجْرَ شَيْئًا، فَإِنَّا مَا احْتَجَجْنَا عَلَيْهِمْ إلَّا بِهَذَا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ هَذَا الْقَائِلِ وَبَيْنَهُمْ افْتِرَاقٌ فِي رَدِّ الْآيَةِ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]، فَإِنَّمَا عَرَضَ فِي هَذَا الْكَلَامِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّهُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ جَاوَزَ حَدَّ نَفْسِهِ، وَلَمْ يُرَاعِ حَقَّ الِاسْتِنَادِ، وَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ حَتَّى لَمْ يُكْثِرْ لَهُ تَفْرِيعُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَلَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَلَوْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَحْيَاءِ لَدَمَّرَ عَلَيْهِ، وَكُلَّ مَجْرَى فِي الْحَلَائِسِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُفْسِدُ قَبَضَ ثَمَنَ مَا بَاعَ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ رَأَى مَا بَاعَ بِهِ رَغْبَةً أَجَازَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا جَازَ بِإِجَازَتِهِ.
وَإِنْ كَانَ ضَاعَ فِي يَدِهِ لَمْ يُجِزْهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلسَّفِيهِ فِي التِّجَارَةِ إذَا رَآهُ أَهْلًا لِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ تَصَرُّفُهُ، وَإِذَا رَأَى النَّظَرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ، وَالْبَيْعُ بَيْعُ رَغْبَةٍ، فَالنَّظَرُ فِي إجَازَتِهِ، فَإِذَا ضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ، فَلَا نَظَرَ لَهُ فِي هَذِهِ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَجَازَهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يُسَلَّمُ لَهُ فِي الْحَالِ فَإِنَّ إجَازَةَ الْبَيْعِ إجَازَةٌ مِنْهُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ الْفُضُولِيُّ مَالَ إنْسَانٍ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ، وَهَلَكَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ كَانَ ذَلِكَ إجَازَةً مِنْهُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ، فَهَذَا كَذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِجَازَةِ نَظَرٌ لَهُ فَلَا يَشْتَغِلُ الْقَاضِي بِهِ، وَلَا يَكُونُ