إقْرَارٌ بِغَصْبِ مَا سُمِّيَ عَبْدًا وَبِالِاسْتِثْنَاءِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ لَمْ يَكُنْ عَبْدًا فَلَمَّا كَانَ تَعْبِيرًا صَحَّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إلَّا مَلْبَسِهِ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْقَرَّارِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ مِمَّا تَكَلَّمَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِذَلِكَ وَلَكِنَّا نُجَوِّزُهُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} [المزمل: 3]؛ وَلِأَنَّ طَرِيقَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يُجْعَلَ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءِ الْمُسْتَثْنَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَإِنْ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ لَمْ يَمْتَنِعْ صِحَّتُهُ إنْ كَانَ مُوَافِقًا لِطَرِيقِهِمْ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُسُورِ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ وَكَانَ صَحِيحًا وَلَوْ قَالَ إلَّا الْعَبْدَ كُلَّهُ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِأَنْ جُعِلَ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءِ الْمُسْتَثْنَى فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ فَكَانَ هَذَا رُجُوعًا لَا اسْتِثْنَاءً وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا.
وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُكَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ إقْرَارٌ بِغَصْبِهِمَا فَإِنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْعَطْفِ وَالْعَطْفُ لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ فَيَقُولُ الرَّجُلُ جَاءَنِي زَيْدٌ وَعُمَرُ فَيَكُونُ إخْبَارًا بِمَجِيئِهِمَا.
فَإِذَا قَالَ غَصَبْتُهُ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً كَانَ إقْرَارًا بِغَصْبِهَا؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ الْمَذْكُورِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ وَلَمْ يُذْكَرْ لِلثَّانِي خَبَرٌ يَسْتَقِلُّ بِهِ فَكَانَ الْخَبَرُ الْأَوَّلُ خَبَرًا لَهُ وَكَذَا خَبَرُ أَنْ يَقُولَ دَابَّةً مَعَ سَرْجِهَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَقَدْ قَرَنَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِقْرَارِ بِفِعْلِ الْغَصْبِ فِيهِمَا إذْ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُقَارَنَةُ مِنْهُ إلَّا فِي هَذَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كَذَا بِكَذَا نَحْوَ أَنْ يَقُولَ غَصَبْتُهُ فَرَسًا بِلِجَامِهِ أَوْ عَبْدًا بِمِنْدِيلِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ بِغَصْبِهِمَا؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَيَصِيرُ هُوَ مُلْصِقًا الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ فِعْلِ الْغَصْبِ وَيَكُونُ مَبْنِيًّا أَنَّ عِنْدَ غَصْبِهِ كَانَ اللِّجَامُ مُلْصَقًا بِالدَّابَّةِ وَلَنْ يَتَحَقَّقَ الْإِلْصَاقُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا لَهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كَذَا فَكَذَا نَحْوَ أَنْ يَقُولَ غَصَبْتُ عَبْدًا فَجَارِيَةً فَإِنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَفِيهِ مَعْنَى الْعَطْفِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْقِيبِ وَلَنْ تَتَحَقَّقَ هَذِهِ الْمَعَانِي إلَّا بَعْدَ أَنْ كَانَ غَاصِبًا لَهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كَذَا وَعَلَيْهِ كَذَا نَحْوَ أَنْ يَقُولَ غَصَبْتُهُ دَابَّةً عَلَيْهَا سَرْجُهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَغْصُوبَ مَحَلًّا لِمَا ذَكَرَهُ آخِرًا فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا لَهُمَا.
وَإِنْ قَالَ كَذَا مِنْ كَذَا بِأَنْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْدِيلًا مِنْ غُلَامِهِ أَوْ سَرْجًا مِنْ دَابَّتِهِ كَانَ إقْرَارًا بِالْغَصْبِ فِي الْأَوَّلِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ الِانْتِزَاعُ فَعَلَى أَنَّهُ انْتَزَعَ مَا أَقَرَّ بِغَصْبِهِ أَوَّلًا مِنْ مِلْكِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَقُولُ مِنْدِيلًا مِنْ رَأْسِهِ أَوْ ثَوْبًا مِنْ بَدَنِهِ فَلَا يُفْهَمُ الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ الثَّوْبِ وَالْمِنْدِيلِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كَذَا عَلَيَّ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ غَصَبْتُهُ إكَافًا عَلَى حِمَارِهِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْإِكَافِ خَاصَّةً، وَالْحِمَارُ مَذْكُورٌ لِبَيَانِ مَحَلِّ الْمَغْصُوبِ حِينَ أَخَذَهُ وَغَصْبُ الشَّيْءِ مِنْ مَحَلٍّ