لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِ الْمَوْلَى وَلَهُ ذِمَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي إيجَابِ الدَّيْنِ لِمَوْلَاهُ فَيَكُونُ ضَامِنًا غَصْبَهُ مِنْهُ وَالْعَبْدُ فِيمَا يَغْصِبُ مِنْ مَوْلَاهُ مَأْمُورٌ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ؛ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ ذِمَّةً مُعْتَبَرَةً فِي إيجَابِ الدَّيْنِ فِيهَا لِلْمَوْلَى فَإِنَّ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا شَاغِلًا مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ وَمَالِيَّةَ حَقِّ مَوْلَاهُ.

وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ أَمْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ اسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْإِنْشَاءَاتِ دُونَ الْإِخْبَارَاتِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: الِاسْتِثْنَاءُ يُخْرِجُ الْكَلَامَ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ {سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف: 69] وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى ذَلِكَ وَالْوَعْدُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - كَالْعَهْدِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَدَلَّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُخْرِجٌ لِلْكَلَامِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اسْتَثْنَى فَلَهُ ثُنْيَاهُ» وَالْإِقْرَارُ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا إلَّا كَلَامٌ هُوَ عَزِيمَةٌ لَكِنْ إنَّمَا يَعْمَلُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إذَا كَانَ مَوْصُولًا بِالْكَلَامِ لَا إذَا كَانَ مَفْصُولًا إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ يُعْمَلُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سَنَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» وَلَنَا نَقُولُ: الِاسْتِثْنَاءُ مُخْرِجٌ لِكَلَامِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً فَكَانَ مُغَيِّرًا لِمُوجَبِ مُطْلَقِ الْكَلَامِ وَالتَّعْبِيرُ إنَّمَا يَصِحُّ مَوْصُولًا بِالْكَلَامِ لَا مَفْصُولًا فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَسْخِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْمُقِرُّ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي إقْرَارِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَفْصُولَ وَهَذَا بِخِلَافِ الرُّجُوعِ مِنْ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ نَفْيٌ لِمَا أَثْبَتَهُ فَكَانَ تَنَاقُضًا مِنْهُ وَالتَّنَاقُضُ لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا كَانَ أَوْ مَوْصُولًا أَمَّا هَذَا بَيَانٌ فِيهِ تَعْبِيرٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ نَوْعَانِ لَغْوٌ وَعَزِيمَةٌ فَبِالِاسْتِثْنَاءِ تَبَيَّنَ أَنَّ كَلَامَهُ لَيْسَ بِعَزِيمَةٍ وَبَيَانُ التَّعْبِيرِ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ مُتَبَيَّنٌ أَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ لَمْ يَكُنْ إيقَاعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ ظَاهِرًا مُقْتَضِيًا لِلْإِيقَاعِ فَصَحَّ ذَلِكَ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا وَأَمَّا الْحَدِيثُ قُلْنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَعْدَ سَنَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِثْنَاءِ إنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِامْتِثَالِ لِمَا أُمِرَ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24]. .

وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ أَمْسِ إلَّا نِصْفَهُ صُدِّقَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إذَا قُيِّدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَصِيرُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى لَا أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا عَنْ الْقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] مَعْنَاهُ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَأَمَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ فِي مَعْنَى الرُّجُوعِ كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا بِالْغَلَطِ فَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ حَتَّى تَدَارَكَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ثُمَّ هَذَا بَيَانٌ فِيهِ تَعْبِيرٌ؛ لِأَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015