قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ إنِّي رَأَيْتُ فِي زَمَانِي بَعْضَ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْفِقْهِ مِنْ الطَّالِبِينَ لِأَسْبَابٍ: فَمِنْهَا قُصُورُ الْهِمَمِ لِبَعْضِهِمْ حَتَّى اكْتَفَوْا بِالْخِلَافِيَّاتِ مِنْ الْمَسَائِلِ الطِّوَالِ، وَمِنْهَا تَرْكُ النَّصِيحَةِ مِنْ بَعْضِ الْمُدَرِّسِينَ بِالتَّطْوِيلِ عَلَيْهِمْ بِالنِّكَاتِ الطَّرْدِيَّةِ الَّتِي لَا فِقْهَ تَحْتَهَا، وَمِنْهَا تَطْوِيلُ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِذِكْرِ أَلْفَاظِ الْفَلَاسِفَةِ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْفِقْهِ وَخَلْطِ حُدُودِ كَلَامِهِمْ بِهَا. (فَرَأَيْتُ) الصَّوَابَ فِي تَأْلِيفِ شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ لَا أَزِيدُ عَلَى الْمَعْنَى الْمُؤْثَرِ فِي بَيَانِ كُلِّ مَسْأَلَةٍ اكْتِفَاءً بِمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي كُلِّ بَابٍ، وَقَدْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ سُؤَالُ بَعْضِ الْخَوَاصِّ مِنْ زَمَنِ حَبْسِي، حِينَ سَاعَدُونِي لِأُنْسِي، أَنْ أُمْلِيَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَجَبْتهمْ إلَيْهِ. (وَأَسْأَلُ) اللَّهَ - تَعَالَى - التَّوْفِيقَ لِلصَّوَابِ، وَالْعِصْمَةَ عَنْ الْخَطَأِ وَمَا يُوجِبُ الْعِقَابَ، وَأَنْ يَجْعَلَ مَا نَوَيْتُ فِيمَا أَمْلَيْتُ سَبَبًا لِخَلَاصِي فِي الدُّنْيَا وَنَجَاتِي فِي الْآخِرَةِ إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.
ثُمَّ إنَّهُ بَدَأَ بِكِتَابِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَقْوَى الْأَرْكَانِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [التوبة: 5] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ» فَمَنْ أَرَادَ نَصْبَ خَيْمَةٍ بَدَأَ بِنَصْبِ الْعِمَادِ، وَالصَّلَاةُ مِنْ أَعْلَى مَعَالِمِ الدِّينِ مَا خَلَتْ عَنْهَا شَرِيعَةُ الْمُرْسَلِينَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ -
وَقَدْ سَمِعْتُ شَيْخَنَا الْإِمَامَ الْأُسْتَاذَ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] أَيْ لِأَنِّي ذَكَرْتُهَا فِي كُلِّ كِتَابٍ مُنَزَّلٍ عَلَى لِسَانِ كُلِّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَفِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] مَا يَدُلُّ عَلَى وَكَادَتِهَا، فَحِينَ وَقَعَتْ بِهَا الْبِدَايَةُ، دَلَّ عَلَى أَنَّهَا فِي الْقُوَّةِ بِأَعْلَى النِّهَايَةِ، وَفِي اسْمِ الصَّلَاةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا ثَانِيَةُ الْإِيمَانِ فَالْمُصَلِّي فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّالِي لِلسَّابِقِ فِي الْخَيْلِ قَالَ الْقَائِلُ
وَلَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أَكُونَ مُصَلِّيًا ... إذَا كُنْتُ أَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ السَّبَقُ
وَفِي رِوَايَةٍ
أَمَا كُنْتَ تَرْضَى أَنْ أَكُونَ مُصَلِّيًا
وَالصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] أَيْ دُعَاءَكَ، وَقَالَ الْقَائِلُ:
وَقَابَلَهَا الرِّيحُ فِي دَنِّهَا ... وَصَلَّى عَلَى دَنِّهَا وَارْتَسَمْ
أَيْ دَعَا وَأَثْنَى عَلَى دَنِّهَا وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَرْكَانٍ مَخْصُوصَةٍ كَانَ فِيهَا الدُّعَاءُ أَوْ لَمْ يَكُنْ