أبياتا في صدر كتاب أو رد جواب، أو استزارة صديق، أو استهداء رحيق وما أشبه ذلك مما لم ينعم فيه النظر، ويتعب به الفكر. ولكن هذا من شأن من أطال معاركة المعاني والقوافي، فبات منها على مثل الأشافي ودفع إلى سلوك مضائقها، وحماية حقائقها، وجاب سهولها وحزونها، وراض ذلولها وحرونها، وافترع أبكارها وعونها، وفجر أنهارها وعيونها، وأبرم حبال وقصيدها، وأحكم نظام درها وفريدها، وأطال إبالة حيلها وعشارها، وأجال قداحه على أعشارها، وكسع شولها بأغبارها، فإذا وصل إلى هذه الفضيلة، ورقي هذه الرتبة الجليلة، وأحس من نفسه بلوغ كمالها، وإحراز خصالها، فعند ذلك فليتعاظ شرح أشعار الفحول، وليعان استنباط معاني فروعها والأصول، وأحكام علم جملها والفصول. ولست بمدع إدراك هذه المنزلة، وإحراز هذه التكملة، ولكني حاطيها لعلى ممن يدانيها، ويبلي فيها (فيسلك بعض شعابها، ويتمسك ببعض أسبابها)، فإن أصبت الصواب فبيمن من وسمت باسمه هذا الكتاب، وإن زلت قدمي عن الطريق، فمنه استمد الهداية والرشد والتوفيق، ومن الله تلتمس لإعانة، وتقتبس الإبانة.
فأول ما ينبغي أن يبتدأ به من المآخذ في شروح ديوان أبي الطيب، المآخذ على الشيخ أبي الفتح عثمان بن جني؛ لأنه هو المبتدئ لشرحه، المفتتح لفسره، المسند إليه رواياته، المأخوذ عنه حكاياته، وقد طول في الشواهد وقصر في المعاني، وسأبين ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى.