فقال لهما: لا أعد وفاءكما بالدمع وفاء، إلا أن يكون على قدر حال الربع، فالربع أشجاه طاسمه، فينبغي أن يكون الدمع أشفاه ساجمه؛ أي: يكون الدمع في سجومه على قدر الربع في دروسه، وذلك بمنزلة رجل له صاحب وعده بان يسعده بالجاه على البر فقال له: وفاؤك بأن تسعدني بالجاه كالبر، فالبر خيره أعجله، والجاه أفضله أسهله.
وقوله: الطويل
فقد مَلَّ ضَوْءُ الصُّبْحِ مما تُغِيرُهُ ... ومَلَّ سَوادُ اللَّيلِ مما تُزَاحِمُهْ
قال: أراد: تغير فيه، فحذف حرف الجر، وأوصل الفعل بنفسه اختصارا وأنشد: الرجز
في سَاعةٍ يُحَبُّها الطَّعَامُ
وأقول: يحتمل أن يكون (تغيره) من الغيرة، فتعديه بالهمزة لأنك تقول: غرت أنا وأغرت غيري، أي: جعلته ذا غيرة؛ كأنه يقول: مل ضوء الصبح من كثرة ما تغيره بضوء الحديد في الغارات على الأعداء، وهذا التقدير أشبه بالقافية لأنها متعدية بنفسها فيكون (تغيره) مثل (تزاحمه).