والآخر: انهم يغيرون في النّهار ويحاربون، فيزول نور النّهار لأجل الغبار، وقد جعل أبو الطّيب الغبار دخانا بقوله: (الطويل)
وما كان إلاّ النار في كب موضع ... يثير غبارا في مكان دخان
وأقول: الوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرهما في قوله:
. . . . . . والإص ... باح ليل من الدخان
صحيح، والثاني فاسد، لجعله الغبار دخانا. واستشهاده على ذلك بقول أبي الطّيب لا يسوغ له، وذلك أن أبا الطّيب لما وصف شبيبا بأنه نار، لكثرة غاراته، استعار له ما يشبه الدّخان في ارتفاعه وإظلامه، وهو الغبار، فلا يجوز أن يجعل الدخان
غبارا من غير قرينة تدلّ عليه، ولا الغبار دخانا، والشّاعر إنما وصف الممدوحين بالسّماح والإطعام ليلا ونهارا، فجعل نارهم لقوّتها وعظمها، تعيد الليل نهارا، وجعل دخان نارهم، لكثرته وارتفاعه، يعيد النّهار ليلا، ولم يتعرّض في هذا البيت لذكر حرب ولا غبار.
وقوله: (الخفيف)
ونفوس إذا انبرت لقتال ... نفدت قبل ينفد الإعدام
قال: زعم أن نفوسهم لا تفرق من الموت، وإنها إذا انبرت لقتال أنفدتها الحرب وإقدامها لم ينفد.