قال: يقول: يهب المال فتعلم الأبطال أنهم إذا اجروا إلى خطأ، أو تعدّوا على ضعيف، كان قادرا على معاقبتهم، وكفّ أيديهم، بالقوم الذين يعطيهم ماله، فالأبطال معه طول زمنهم في نزال، وان لم يكن ثمّ حرب ولا منازلة.

وأقول: هذا الذي ذكره اصلح مما ذكره ابن جنّي والواحديّ، وارى فيه وجها غير الوجوه المذكورة، وهو إنه وصف الممدوح بكثرة العطاء، فاستعار للمال جماجم ليقابل بها جماجم الأبطال، وجعل كثرة تفريقه له ضربا فيها، وذلك يوقع هيبة في قلوب الرجال، فكأنه وقع في جماجم الأبطال.

وقوله: (الخفيف)

رجل طينه من العنبر الور ... د وطين العباد من صلصال

فبقّيات طينه لاقت الما ... ء فصارت عذوبة في الزّلال

قال: زعم أن بقايا طينه لاقت الماء فصارت عذوبة فيه، والطيب ليس للعذوبة، وكان تشبيهه بغير ذلك أحسن في هذا الموضع، فلو قال: لاقى زهر الربيع أو نحو ذلك لكان أشبه من عذوبة الماء.

وأقول: أن الطّيب يكون في الرائحة وفي الطّعم، فوصف طينه الذي جبل منه بالطّيب في الرائحة، فجعله لن العنبر، ووصفه مع ذلك بالطّيب في الطّعم، فجعله يطيب الماء عذوبة، لأن التّرب ما يكون ملحا، ومنه ما يكون مرّا، ومنه ما يكون حلوّا طيبا، والمياه إنما يكون طعمها طعم الأرض التي تكون فيها، لمجاورتها واكتسابها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015