وقال في قوله - وهو البيت الثاني منهما: (الخفيف)
والأسى قبل فرقة الرّوح عجز ... والأسى لا يكون بعد الفراق
يقول: ينبغي للإنسان أن يسهّل أمور العاجلة على نفسه، فإذا كان حيا فما ينبغي أن يحزن لعلمه أن فراق نفسه يكون، لأنه لم يكن بعد فإذا فارقته نفسه، فقد أمن من الأسى، ورجع إلى حال العدم وفراق الحسّ.
وأقول: أن الشّيخ لم يذكر لم جاء بهذا المثل، ولا ما بين البيتين، والبيت الذي قبلهما، من الاتّصال والتناسب. والذي يقال في هذا أن قوله: (الخفيف)
قلّ نفع الحديد فيك فلا يل ... قاك إلاّ من سيفه من نفاق
أي: لما اشتهر من شجاعتك، وعلم من أرائك الأقران، وإنّ كلّ من لاقاك، مقاتلا مقتول، قلا يلقاك إلا من يقاتلك، ويدفعك عن نفسه بسيفه من نفاق أو رمح من خضوع، خوفا من الموت، وذلك أن ألف الهواء لذيذ، به تدوم الحياة. فالنفس تعلم، أن الموت الذي يضادّ الحياة، طعمه يضادّ طعمها، فهو مرّ مذاقه، وكان ينبغي لهذا الجبان (إن) لا يحزن، لأنّ حزن المرء على الشيء يكون بعد فقده لا قبله. ونفس الإنسان لا يتصور فيها ذلك، لأن حزنه عليها قبل فراقها، عجز
وجهل، وبعد فراقها لا يكون حزن، فعلى هذا، ينبغي للجبان أن لا يجبن فيذلّ ويخضع.