وأقول: المعنى: أن العادة جارية بأنّ الخمر تسكر من شربها، وإنه يفيق منها، وإنّ سيف الدولة، بخلاف ذلك، لا تسكره الخمر، وإنما يسكره الجود، فلا يفيق منه. وقول الشّيخ: وهم يقرّون بتغيّر العقل عند الشّراب واستدلّ بأبيات المنخّل على ذلك وليس فيها دليل، لأن قوله:
فإذا شربت فأنّني ... ربّ الخورنق والسّدير
يريد أن الرّاح تحدث له عظمة في نفسه، وارتياحا وخيلاء، فيظنّ إنه الملك الذي هو النعمان بن المنذر، ويريد بذلك مدحا لها. وكذلك قول حسّان: (الوافر)
ونشربها فتجعلنا ملوكا ... وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
وهم لا يقصدون بذلك تغيّر العقل، وهم يمدحونها ويتمدّحون بذلك. وإنما يريدون، أن الرّاح تفيد مكارم الأخلاق، وتبعث عليها، ألا ترى إلى قول الشّاعر: (الطويل)
أراحت من الهمّ الدّخيل وشجّعت ... جنانا وسنّت للبخيل التّكرّما
وقال في قوله: (الوافر)
وحاشا لارتياحك أن يبارى ... وللكرم الذي لك أن يباقى
وقد يخفضون بحاشا، ويقال أن الخفض فيها على تقدير اللام. ويقولون: فعلوا كذا وكذا حاشاي، فيجيئون بالياء، والقياس يوجب أن يقولوا: حاشاني كما