يريد أن أهل الأرض المتقدّمين، لو كانوا باقين لم يكن المتأخرون خلقوا. وهذه مأخوذ من قول بعض الحكماء لبعض الملوك لمّا قال: ما أطيب الملك لو دام! فقال لو دام لم يصل إليك!
فيقال له: لم قلت: لو أن أهل الأرض المتقدّمين باقون، لم يكن المتأخرون خلقوا؟ وما أنكرت أن يعمّر المتقدمون، ويخلق المتأخرون، ويكونوا معهم مجتمعين، فإن ذلك غير مستحيل كما أن تعمير نوح ألف سنة، لم يمنع من خلق من خلق بعده. ومعنى قول الحكيم: لو دام الملك لم يصل إليك يريد: أن العادة الجارية في الدّنيا بتغيير الأحوال وزوال الملوك والملك كما قال ابن الزّيّات: (البسيط)
لا تجعلنّ، رويدا، إنها دول ... دنيا تنقّل من قوم إلى قوم
فلو دام الملوك، ولم تتغيّر الأحوال، لدام الملك لمن تقدّمك، ولم يصل إليك.
ومعنى بيت أبي الطّيب: أي: لو عاش أهل الدنيا، ولم يموتوا، لأدّت بهم الكثرة إلى الازدحام فيها، للامتلاء والامتناع من الحركة بالمجيء والذّهاب. وفي هذا تعزية لسيف الدولة، بكثرة من مات من الأمم الخالية، وتسلية له عن مملوكه يماك المعزّى به.
وقال في قوله: (الطويل)
ولا فضل فيها للشّجاعة والنّدى ... وصبر الفتى لولا لقاء شعوب