قال: أي: لقوة العزم ما يكاد القلب يتحرك من موضعه، ولو تحرك في الحقيقة
لمات صاحبه، وقد أتى نحو هذا أبو تمام في قوله:
مَشَتْ قلوبُ أُنَاسٍ في صُدُورِهمُ ... لمَّا رأوكَ تَمَشَّى نَحوَهُمْ قُدُمَا
وطريق أبي تام أسلم؛ لأنه ذكر تحرك القلب في موضع الشدة والمهلكة، ألا ترى إلى قولهم: قد انخلع قلبه فمات! أي: فارق موضعه، فلهذا كانت أسلم.
فيقال له: ما كان أغناك عن التعرض لشرح معاني الشعر، وأنت فيها بهذه المنزلة، وأحوج هذا الديوان إلى غيرك! ولو كان تصرفك في المال، كتصرفك في المعاني، لكان ينبغي أن يحجر فيه عليك، ويؤخذ به على يديك! ولقد أخطأت سبيل هذا المعنى وتجاوزت طريقه، فأنت في واد وهو في واد، وهو قوله:
بِعَزمٍ يَسِيرُ الجِسمُ. . . . . . . . . . . . .
أي: بعزم شديد يسير القلب به تعبا في الجسم، وأن كان الجسم مستريحا بركوبه في السرج، فكنى عن تعب القلب بمشيه في الجسم لكثرة قلقه واضطرابه وكنى عن راحة الجسم بركوبه في السرج لكونه مستقرا فيه، مستقلا محمولا.
فهذه آخر المآخذ على الشيخ أبي الفتح عثمان بن جني الذي قويت عليه يد الطاقة، ووصلت إليه يد المنة.
الحمد لله حق حمده، وصلواته على خير خلقه محمد وآله الطاهرين، أئمة الدين، وأصحابه المنتجبين الأكرمين.