قال: أي: قد عرفت مني ما كان من شكرك والثناء عليك في حال غيبتك، ولم أتعرض لضد ذلك لئلا ينمي إليك. أي: فلو لم أتركه إلا لهذا لتركته، وكان وشيء به إليه، وكأنه مع هذا، أعترف بتقصير منه، ألا تراه يقول:
أضحى فراقُكَ لي عليهِ عُقُوبةً ... ليسَ الذي لَيسَ الذي قاسَيتُ منه هَيِّنَا
وأقول: أن تفسير قوله:
. . . . . . . ولما تَركتُ مخافةً أنْ تَفطُنَا
بقوله: (ولم أتعرض لضد ذلك) أي: لضد الشكر لك والثناء عليك، يعني: من السب والشتم، كلام في غاية القبح! وهل يحسن بأحد أن يقول لمن احسن إليه وأنعم عليه: إنني ما تركت سبك وشتمك إلا مخافة أن تفطن! ومفهوم الخطاب أنك لو لم تفطن بما أقول في غيبتك لشتمتك وسببتك! والجيد أن يفسر (ما أتيت) و (ما تركت) بأن يقال: ما أتيت من الأفعال الحميدة، وما تركت من الأفعال التي تضادها، فلأنك بصحة ذهنك، وجودة حدسك، تعلم ما غاب عنك منها. والصحيح أنه لم يعترف بتقصير، والضمير في (عليه) لا يعود على ذنب وقع منه أو خطأ إقترفه، وإنما يعود على (فراقك) وذلك أنه ترك المسير معه فرأى كأن ذلك ذنب اجترمه فقال:
أضحى فراقك لي عليه. . . . .
أي على فراقك، وجعل ذلك لعظمه عليه، وشدة أذاه له بمنزلة العقاب والقصاص، ولهذا قال:
. . . . . . . . ليس الذي قَاسيتُ منه هَيِّنَا
أي: من فراقك.