قال: يقول: أنا منك أهنئك؟ وهل رأيت عضوا من جملة هنأ سائر الأعضاء منها؟

وأقول: هذا الذي أنكره مستبعدا قد جاء لأبي نواس أحسن مجيء على وجه المجاز والاستعارة وهو قوله: (البسيط)

قَنِعْتُ إذْ نِلْتُ من أَحْبَابِي النَّظرا ... وقلتُ: يا ربَّ ما أعطيتَ ذّا بَشَرا

لم يَبْقَ مِنَّيَ من قَرْنٍ إلى قَدَمِ ... شيءٌ سوى القَلْبِ إلاَّ هَنَّأ البَصَرا

وقوله: (الطويل)

سُبِقْنَا إلى الدُّنْيَا فَلَوْ عَاش أَهْلُهَا ... مُنِعْنَا بها من جَيْئَةٍ وذُهُوبِ

قال: أي لو عاش من قبلنا لما أمكننا نحن المجيء والذهاب، لأن الله - تعالى - بنى الدنيا على الكون والفساد ولم يخصصها بأحدهما وليس ذلك في الحكمة.

وأقول: الظاهر أنه أراد: أي لو عاش أهل الدنيا فلا يموتون لامتلأت الأرض من الخلق فتعذرت الحركة عليها؛ المجيء والذهاب، لكثرة الخلق. وفي هذا تسلية لسيف الدولة بكثرة من مات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015