قد أخذ على أبي الطيب في هذا البيت فقيل: كان ينبغي لما ذكر المداعبة أن يبدل قرما بلفظة غيرها؛ فإن القرم بعيد من المجاعبة، أو يبدل نداعب بكلمة تليق بالقرم.

وقال: هذا موضع يدق على أكبر نقاد الشعر.

وأقول: إنه يقول: إن الاستعارة ينبغي أن تكون مناسبة لما استعار له، والمداعبة، وهي الممازحة، لا يحسن أن تستعار للقرم، وإنما تحسن بالرجال، فلو أنه قال: نلاطف أو نلاين لكان مناسبا. ولو وضع موضع قرما ملكا فقال:

ولكنَّا نُداعِبُ منه مَلْكاً ... صَفَا خُلُقَاً ورَقَّ لنا وَرَاقَا

لكان أيضا مناسبا. ولكن أبا الطيب جاز على طبعه في الجفاء، فليس من شأنه خلق الرقة والصفاء!

وقوله: (الوافر)

فأبْلِغ حَاسِدِيَّ عَلَيْكَ أَنَّي ... كَبَا بَرْقٌ يحَاوِلُ بي لَحَاقَا

وهَلْ تُغْني الرَّسَائلُ في عَدُوًّ ... إذا ما لم يَكُنَّ ظُباً رِقَاقَا

قال: إن قيل: كيف استجاز أن يجعل الممدوح رسولا مبلغا عنه، وهذا قبيح، قيل: إنما حسن له ذلك قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015