فابتدأ بذم صنعاء وبلادها، وبقاعها التي تحل بها عنس وقدم، ودعا عليها بسقيا النار إذا سقيت غيرها الأمطار، ثم خرج من ذلك إلى مدح وادي اشي ومن حاده من الجيران، ووصفهم بالكرم والإحسان في أبيات، ثم أخذ في الغزل فذكر منه شيئا، ثم عاد إلى ذكرهم والثناء على مواضعهم وديارهم، وأيامه التي تقضت له فيها، وتشوقه إليها وتأسفه عليها.
وإذا تفقدت أشعار العرب وجد فيها مثل ذلك كثير.
وإذا صح أن المراد بذلك الممدوح، كان البيتان اللذان بعد هذا البيت من صفاته أيضا، وبطلت المآخذ الفاسدة، والروايات الكاذبة، والاختلاف في القلبين اللذين في البيت الثالث هل هما للضيف أو للمضيف؛ اعني قوله: الوافر
تَحُلُّ به على قَلْبٍ شُجَاعٍ ... وتَرْحَلُ منه عن قَلْبٍ جبان
وقوله: الوافر
منازلُ لم يَزَلْ منها خَيَالٌ ... يُشَيَّعُني إلى النَّوْبَنْدِجَانِ
قال: نوبندجان: بلد بفارس؛ يريد إنه يرى دمشق في النوم وهو بفارس، فخيال منازل دمشق يتبعه. والمعنى إنه يحبها، ويكثر ودها، ويحلم بها. ويجوز أن يريد خيال حبيب له بدمشق ونواحيها يأتيه في منامه.