اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} . فقالوا يا رسول الله، هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ هنالك فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم تفسيرا يتفق مع تعاليمه السابقة الدائمة فقال "تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه1 ".

هنالك إقتنع الصحابة رضي الله عنهم، وشفيت صدورهم، فازدادوا إيمانا على إيمان، وهو مثال بليغ رائع من أمثلة الوعي الإيماني العقلي الذي كان شعارا لصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم والصدر الأول.

والمثال الثاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل سرية، وأمر الصحابة بطاعة الأمير، وقد كان في هذه السرية ما لم يرض الأمير، وشك في انقيادهم له فأمر بالحطب، فجمع، وأمر بالنار فأشعلت ثم قال خوضوها، فامتنع الصحابة رضي الله عنهم عن طاعته في ذلك لأنه " لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق" وقالوا إنما فررنا من النار ولما رجع إلى المدينة شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصوب فعلهم وقال "لو دخلوا فيها لم يزالوا فيها" وقال: "لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف" 2.

وكانت نتيجة ضعف بعض الشعوب المسلمة القوية في إيمانها، الغنية في مظاهرها الإيمانية ومراكزها الدينية وثروتها العلمية، أنها كانت فريسة سهلة للهتافات الجاهلية والنعرات القومية أو العصبيات اللغوية والثقافية، ولعبة القيادات الداهية والمؤامرات الأجنبية، وذهبت ضحية سذاجتها وضعفها في الوعي الديني، والعقل الإيماني كما وقع في باكستان الشرقية في (197م) قامت فيها مجزرة إنسانية هائلة، وما ذلك إلا بسحر دعوات العصبية اللغوية والعصبية الوطنية على هذا الشعب المسلم، المؤمن الذي كان له تاريخ مجيد في البطولات الإسلامية وخدمة الإسلام والعلم، ونهض فيه علماء كبار ودعاة إلى الله، وغصت بلادها بالمساجد والمدارس وكانت عاصفة هوجاء هبت ثم ركدت، ونار حامية التهبت ثم انطفأت، ولكنها زلزلت أركان الإسلام في هذه المنطقة، وأضعفت الكيان الإسلامي، وكانت حجة لأعداء الإسلام الذين يقولون إن الإسلام لا يستطيع أن يقاوم العصبيات القومية ولا يقتلع جذورها من نفوس أتباعه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015