ومهما بالغنا في تحليل الأشياء، وردها إلى أصولها الأولى، فلابد ان نصل في نهاية المطاف إلى ضرورة وجود قوانين طبيعية تخضع لها ذرات هذا الكون. ويعد ذلك في ذاته دليلا على وجود اله قادر مدبر، هو الذي قدر لكل ظاهرة من ظواهر هذا الكون ان تسير في طريقها المرسوم. وقد خلق الله الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات وجعل لها خواصها المعينة. فرسم لها بذلك سلوكها وأقدارها.
وعندما تحاول عقولنا المحدودة ان ترتد إلى الوراء وتبحث عن ساعة الصفر في تاريخ هذا الكون، نجدها تسلم ضمنا بان لهذا الكون بداية ولحظة معينة نشأت فيها الذرات الدقيقة التي تتألف منها مادة هذا الكون، ولابد ان تكون خواص هذه الجزئيات التي تحدد سلوكها، قد ظهرت معها في نفس الوقت. ومن المنطق السليم ان يكون السبب الأول الذي أوجد هذه الجزئيات هو الذي اودع فيها صفاتها التي تحدد سلوكها. ولابد ان نسلم بان قدرة الخالق وتدبيره وإحكامه تفوق قدرة وتدبير الانسان بل البشر جميعا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. وان اذكى العلماء لا يستطيعون الا ان يعترفوا بان الانسان لا يزال حتى اليوم في مهد معرفته باسرار هذا الكون وظواهره.
فاذا انتقلنا إلى العالم العضوي، فاننا نلاحظ ان سلوكه يزداد تعقيدا، وعلى ذلك فان احتمال تفسير هذا السلوك على أساس المصادفة المحض يتضاءل إلى حد لا نهائي، فالمواد الأساسية التي تدخل في بناء المواد العضوية هي الأيدروجين والأوكسجين والكربون مع كميات قليلة من النيتروجين والعناصر الاخرى. ولابد ان تجتمع ملايين من هذه الذرات حتى تتكون أبسط الكائنات الحية. فاذا نظرنا إلى الأنواع الاخرى التي هي اكبر حجما وأشد تعقيدا، فان احتمال تآلف ذراتها على أساس المصادفة المحض يقل إلى درجة لا يتصورها العقل.
واذا نظرنا إلى الكائنات الحية الراقية، فاننا نرى ان من بينها ما لديه من الذكاء ما يجعله قادرا على التخطيط والابتكار والقيام بأعمال تقرب من حد الاعجاز وتحاول ان