ومن الواضح ان الفرق بين الحالتين هو ان القاء العملة أو الزهر في الحالة الاولى كان يعتمد على محض المصادفة، اما في الحالة الثانية فانه يتم تحت تأثير مؤثر خاص.
ومن الممكن ان ننتقل من هذه الاسئلة البسيطة الهينة إلى أمثلة اكثر تعقيدا. خذ مثلا عشرة أو مائة أو مليونا من الوحدات التي تعمل جميعا في وقت واحد لكي تؤدي عملا معينا أو تسلك سلوكا خاصا تبعا لقوانين المصادفة والاحتمالات. فاذا حدث اي انحراف عن النتيجة التي نتوقعها، فانه يجعلنا نبحث عن سبب لهذا الانحراف أو عن مؤثر أو موجه. واذا استطعنا ان نصف هذا المؤثر أو نحدده، فاننا نكون بذلك قد وصلنا إلى احد القوانين الطبيعية التي تفسر لنا لماذا تسلك الأشياء سلوكا معينا. ونحن عندما نتدبر مثلا سلوك النيوترونات أو الالكترونات أو البروتونات في مجال كهربائي أو مغناطيسي، نجد ان كلا منها يسلك سلوكا نستطيع ان نصفه بدقة أو نتنبأ به على أساس القوانين الطبيعية، فخواصها تجعلها تسلك سلوكا معينا يسهل معرفته والتنبؤ به. وكذلك الحال عندما ينبعث شعاع ضوئي من قوس كهربائي من الصوديوم ويمر خلال فتحة ضيقة إلى منشور ثلاثي، فاننا دائما نشاهد خطين متقاربين لونهما برتقالي اصفر وتفصلهما مسافة ضيقة.
والمهم هنا هو ان جميع هذه القوانين الطبيعية التي نصفها ونستخدمها ليس الا مجرد وصف لما يحدث أو لما يشاهد، فهي بذلك ليست تدبيرا أو الزاما، فليس الوصف في ذاته سببا لحدوث ظاهرة من الظواهر، أو توضيحا لاسباب حدوثها.
وعندما تحاول العلوم ان تفسر لنا منشأ الكون، نجدها تبين لنا، في ضوء ما لدينا من المعلومات عن الطبيعة النووية، كيف تتفاعل الجزئيات الأساسية لكي تكون لنا جميع العناصر المعروفة، فجميع العناصر التي يتألف منها هذا الكون تبدأ ببروتونات لها خواص معينة وقوة جاذبة تجعلها تنضم بعضها إلى بعض. أما كيف نشأت هذه البروتونات ذاتها، ولماذا كان لها هذه الصفات بالذات، فان ذلك ما لم تستطع ان تقدم له العلوم شرحا أو بيانا.