الكتب، أو ان ذلك الغموض يرجع إلى عدم وجود الأدلة الكافية، فقد يكون العيب في المنظار ذاته الذي ترى به الحقائق، وعندئذ يؤدي ضبط المنظار إلى المزيد من الوضوح، ولكن حتى مع ذلك يبدو أن الأدلة في حد ذاتها لا تعطي الحكم المطلق.
ولكي أبين القيمة الحقيقية للأدلة وما يعتبر من وجهة نظري الطريقة السليمة لاستخدامها، أحب ان الفت الأنظار إلى طريقة الاستدلال التي نستخدمها في علوم الرياضة.
فمن المعروف في علم الهندسة، أننا نستطيع ان نبني كثيرا من النظريات على عدد قليل، من البديهيات، أو تلك الفروض التي نسلم بها ونقبلها دون مناقشة أو جدال حول صحتها، فالعلماء يسلمون أولا بالبديهيات، ثم يتتبعون مقتضياتها أو النتائج التي تترتب عليها. وعند إثبات اي نظرية نجد ان برهانها يعتمد في النهاية على مسلمات أو امور بديهية، ومع ذلك فان النظريات مجتمعة لا تستطيع ان تقدم دليلا على صحة بديهية من هذه البديهيات، ولكننا نستطيع ان نختبر صحة هذه البديهيات بمعرفة ما يترتب على استخدامها من اتفاق أو تضارب مع التطبيقات العملية والحقائق المشاهدة. ولا تعتبر صحة النظريات التي تقوم على الاخذ بهذه البديهيات، ولا مجرد عدم مشاهدة آثار للتناقض بين هذه النظريات وبين الواقع والمشاهد، دليلا أو برهانا كافيا على صحة البديهيات المستخدمة. فالواقع اننا نقبل البديهيات قبول تسليم وإيمان. وليس معنى ذلك بطبيعة الحال انه تسليم وإيمان أعمى لا يقوم على البصيرة.
وكذلك الحال فيما يتعلق بوجود الله، فوجوده تعالى أمر بديهي من الوجهة الفلسفية، والاستدلال بالأشياء على وجود الله – كما في الإثبات الهندسي – لا يرمي إلى اثبات البديهيات (?) ، ولكنه يبدأ بها، فاذا كان هنالك اتفاق بين هذه البديهية وبين