ولكن كل انسان – حتى أولئك الذين يشتغلون بالعلوم الطبيعية – لديه ميل او نزعة نحو الفلسفة. ومما يؤسف له ان المرموقين من العلماء ليسوا دائما من الفلاسفة الممتازين، فقليل منهم هم الذين يفكرون في أمور النشأة الأولى. وقد يعتقد بعضهم ان هذا الكون هو خالق نفسه، على حين يرى البعض الآخر ان الاعتقاد في أزلية هذا الكون ليس اصعب من الاعتقاد في وجود اله أزلي.
ولكن القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية يثبت خطأ هذا الرأي الأخير. فالعلوم تثبت بكل وضوح ان هذا الكون لا يمكن ان يكون أزليا، فهنالك انتقال حراري مستمر من الأجسام الحارة إلى الأجسام الباردة، ولا يمكن ان يحدث العكس بقوة ذاتية بحيث تعود الحرارة فترتد من الأجسام الباردة إلى الأجسام الحارة. ومعنى ذلك ان الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام وينضب فيها معين الطاقة. ويومئذ لن تكون هنالك عمليات كيماوية أو طبيعية، ولن يكون هنالك أثر للحياة نفسها في هذا الكون. ولما كانت الحياة لا تزال قائمة، ولا تزال العمليات الكيماوية والطبيعية تسير في طريقها، فاننا نستطيع ان نستنتج ان هذا الكون لا يمكن ان يكون أزليا، وإلا لاستهلكت طاقته منذ زمن بعيد وتوقف كل نشاط في الوجود. وهكذا توصلت العلوم – دون قصد – إلى ان لهذا الكون بداية. وهي بذلك تثبت وجود الله، لان ما له بداية لا يمكن أن يكون قد بدأ نفسه ولا بد من مبديء، او من محرك أول، او من خالق، هو الإله.
ولا يقتصر ما قدمته العلوم على اثبات ان لهذا الكون بداية، فقد اثبتت فوق ذلك انه بدأ دفعة واحدة منذ نحو خمسة بلايين سنة. والواقع ان الكون لا يزال في عملية انتشار مستمر تبدأ من مركز نشأته. واليوم لا بد لمن يؤمنون بنتائج العلوم ان يؤمنوا بفكرة الخالق أيضا، وهي فكرة تستشرف على سنن الطبيعة، لان هذه السنن انما هي ثمرة الخلق،