المادية والروحية للوجود. وقد دفعني هذا البحث إلى القراءة والدراسة في ميدان العلوم الطبيعية او (العالم كما هو قائم فعلا) ، وفي ميدان الأخلاق والدين أو (العالم كما ينبغي ان يكون) ، وقد وجدت ان كثيرا من الكتاب الممتازين، ومن أولئك الذين يسمون الفلاسفة، ومن غيرهم من صفوة المفكرين، اما أنهم وقعوا في أخطاء جسمية واضحة تثير الغبار، واما أنهم أقاموا أمام أنفسهم حاجزا يحول بينهم وبين النظر إلى ما وراء الحقائق مباشرة، واما أنهم تجاهلوا الحقائق المباشرة الواضحة، ورجل العلوم الذي يفعل ذلك يضع حائلا بين نفسه وبين التقدم، فبمعرفة الحقائق الواضحة، وبالنظر إلى ما وراءها في معمل القيم المادية والروحية والقانون والنظام، وبالبحث عن أسباب القوانين الطبيعية بحثا تحدوه الثقة والأمل، نقول بكل ذلك يتحقق التقدم.
مبدأ السببية
منذ سنوات عديدة كنت أجلس إلى مائدة الطعام مع جماعة من رجال الأعمال وكان معنا أحد مشهوري رجال العلوم. وفي أثناء الحديث الذي دار بيننا قال أحد رجال الأعمال: (سمعت ان معظم المشتغلين بالعلوم ملحدون. فهل هذا صحيح) ؟
ثم نظر رجل الأعمال إلى فأجبته قائلا: (انني لا أعتقد ان هذا القول صحيح. بل انني – على نقيض ذلك – وجدت في قراءاتي ومناقشاتي ان معظم من اشتغلوا في ميدان العلوم من العباقرة لم يكونوا ملحدين، ولكن الناس أساءوا نقل أحاديثهم أو أساءوا فهمهم) ، ثم استطردت قائلا: (ان الالحاد، أو الإلحاد المادي، يتعارض مع الطريقة التي يتبعها رجل العلوم في تفكيره وعمله وحياته. فهو يتبع المبدأ الذي يقول بانه لا يمكن ان توجد آلة دون صانع. وهو يستخدم العقل على أساس الحقائق المعروفة، ويدخل إلى معمله يحدوه الأمل ويمتلئ قلبه بالإيمان، ومعظم رجال العلوم يقومون بأعمالهم حبا في المعرفة وفي الناس