اللقاء الشهري (صفحة 2221)

طرق الخروج من النكاح

أما بالنسبة للخروج من النكاح فلا بد فيه من شروط، فإن الإنسان يخرج من النكاح إما بالطلاق وإما بالفسخ وإما بالموت إما بالطلاق بأن يطلق الرجل امرأته وينتهي، أو بالفسخ بأن تكون المرأة اشترطت على زوجها شرطاً ولم يفِ به فلها الفسخ، أو يجد الرجل في امرأته عيباً لم يعلم به فله الفسخ، أو يفارق الرجل زوجته على عوض فهذا فسخ، وهل أحد يفارق امرأته على عوض؟ نعم.

كأن تكون العشرة بينهما غير جيدة وتطلب الطلاق فيقول: لا أطلقك إلا بكذا وكذا، فتبذل هي أو وليها، فهذا فسخ، لا ينقص به عدد الطلاق ولا يحتسب من الطلاق، بل هو فسخ وفداء، ولهذا قال الله عز وجل: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] ثم قال {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة:230] أي: الثالثة.

قال ابن عباس: [كل طلاق أجازه المال فهو خلع] أي: أن كل طلاق فيه عوض فإنه خلع، أي: فسخ وليس بطلاق.

ثم الطلاق هل كلما أراد الإنسان أن يطلق يطلق أم لا بد من حدود؟ لا بد من حدود: أولاً: لا تطلق المرأة بعد الدخول وهي حائض، ودليل ذلك قول الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] فسر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك بأن يطلقها طاهراً من غير جماع، وذلك في قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: فإن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما طلق زوجته وهي حائض، فأخبر عمر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتغير فيه، أي: غضب، لماذا يطلق وهي حائض؟ ثم قال لـ عمر: (مره -أي: مر ابن عمر - فليراجعها ثم ليتركها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) فالطلاق في الحيض منكر وحرام وتعدٍ لحدود الله، ولكن لو أن الإنسان أحمق فطلق في الحيض فإنه يقع، وهكذا قول العلماء -علماء الأمة- أكثر العلماء ومنهم المذاهب الأربعة يقولون: إذا طلق في الحيض فإنه يقع، وأظهر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يقع الطلاق في الحيض، ونصر هذا القول واحتج له بما يقبل وما لا يقبل.

فاعلموا -أيها الإخوة- أن طلاق الرجل امرأته في الحيض ليس أمراً هيناً، فلو طلقها في الحيض وقلنا: إنه يقع، وجمهور العلماء على أنه يقع، ثم ردها بدون اعتبار لهذه الطلقة فإنه يطؤها وطء زنا، أكثر العلماء يقولون هذا، والآن مع الأسف الشديد تساهل الناس في هذا الأمر، صار الواحد مباشرة يبت الطلاق وهي حائض ولا يهمه، هذا خطأ عظيم، ثم يأتي إلى أبواب العلماء ويقول: أفتوني، وكان هذا القول أعني القول: بأن الطلاق في الحيض لا يقع، كان هذا القول مهجوراً لا يعرفه الناس في هذه البلاد، حتى ظهرت الفتوى وانتشر أن الطلاق في الحيض لا يقع، وصار الزوج العامي الذي لا يعرف كوعه من كرسوعه إذا طلق في الحيض جاء يستفتي وقال: إني طلقت في الحيض، قال له المفتي: إذاً وقع الطلاق عليك، قال: كيف يقع وأنا طلقت في الحيض والطلاق في الحيض لا يقع؟ وهو عامي جاهل، لكن لما كان له حظ نفس في هذه المسألة صار عالماً يحاج طلبة العلم.

المهم لا تتهاونوا بالطلاق في الحيض، وأنا وإن كنت أرى أنه لا يقع، لكن أرى أن الإنسان على خطر؛ لأن كل الأمة وأئمة الأمة يرون أنه يقع إلا ما ندر، ولهذا في هذا الجمع كل الذين أجابوا قالوا: يقع، وواحد منهم قال: إنه لا يقع، فمثلتم خلاف العلماء تماماً، أكثركم يقول: إنه يقع.

وبالنسبة لي أنا إذا جاءني شخص وقال: إنني طلقت زوجتي في الحيض عام (1410هـ) ، ثم طلقتها طلاقاً صحيحاً عام (1415هـ) ، ثم طلقتها طلاقاً صحيحاً عام (1420هـ) هذه ثلاث طلقات، جاء يستفتيني وأنا أرى أن الطلاق في الحيض لا يقع، فهل أقول: طلقتك الأولى لم تقع ولك المراجعة؟ أنا شخصياً لا أفتي بهذا، أقول: طلقتك الأولى وقعت، والدليل: لو أنها حين انقضت عدتها من طلقتها الأولى تزوجت إنساناً هل يأتي زوجها الذي طلقها ويقول للرجل: أنت الآن استحللت امرأتي؟ لا يأتي أبداً، إذاً الذي عندي أنه لو جاءني الرجل الذي طلق في الحيض في العدة فهنا أقول: طلاقك غير واقع والزوجة في عصمتك؛ لأنها لم تحل لغيرك الآن، لكن بعد أن انقضت العدة وندم وجاء يريد أن يفسد الأول لا أفتيه بأنه لم يقع، بل أقول: وقع، ويحسب عليك من الطلاق، انتبهوا إلى الخطة التي مشيت عليها تأسياً بـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين ألزم الناس بوقوع الطلاق الثلاث المجموعة لما انتهكوا حرمات الله وصاروا لا يبالون بالطلاق الثلاث المجموعة، وبعض العلماء السابقين رحمهم الله أشار إلى هذه المسألة وقال: إن الرجل إذا طلق زوجته الطلقة الثالثة جاء يقول: إن أحد الشهود على عقد النكاح غير عدل، فاسق، من أجل أن يبطل العقد؛ لأنه ليس بشهود عدول، وإذا بطل العقد بطل الطلاق المبني على العقد، فلا يحسب عليه، انظر هذا الرجل -والعياذ بالله- يتبع هواه، لما كان يستحل زوجته ويطؤها ليلاً ونهاراً صار الشاهد على العقد عدلاً، ولما ضاقت عليه الحيلة صار الآن غير عدل، هذا تلاعب بآيات الله عز وجل، أقول: إن بعض العلماء المعاصرين قبل مدة ذكر هذا في بعض أجوبته المطبوعة.

على كل حال لا يطلق في حيض.

ثانياً: لا يطلق المدخول بها في طهر جامع فيه، إلا أن تكون حاملاً فلا بأس؛ لأنه لو جامع ثم طلق بعد الجماع فبماذا تعتد: أتعتد بالحمل أم بالحيض؟ إن قلت: بالحمل، قلنا: لا، لاحتمال أنها لم تحمل، وإن قلت: بالحيض، قلنا: لا تعتد بالحيض؛ لأنها تحتمل أنها حملت، انتبه للحكم العظيمة في الشريعة الإسلامية! فإذا طلق في طهر جامع فيه فهو حرام؛ لأنه لم يطلق لعدة متيقنة، يحتمل أن تكون حاملة فعدتها وضع الحمل، ويحتمل ألا تكون حملت فعدتها بالحيض، فلما صار هذا محتملاً صار هذا حراماً؛ لأن الله تعالى قال: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق:1] وإذا كنا لا ندري أعدتها عدة الحامل أم عدة غير الحامل لم نكن أحصينا العدة، وقد قال الله عز وجل: ((وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ)) [الطلاق:1] .

إذاً: يحرم طلاق المرأة المدخول بها إذا كانت حائضاً، أو في طهر جامع فيه أما إذا كانت في طهر لم يجامع فيه فالطلاق جائز، وإذا كانت حاملاً فالطلاق صحيح ولو جامعها ولو لم يغتسل من جماعها.

وغير المدخول بها إذا طلقها وهي حائض رجل عقد على امرأة والدخول بعد شهر، وفي أثناء هذه المدة طلقها، فالطلاق هنا حلال؛ لأنه ليس عليها عدة، وقد قال الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] فإذا طلقها قبل الدخول والخلوة فلا عدة، ويطلق متى شاء ولو حائضاً.

Q لو طلقها وهي نفساء عليها الدم حلال أم حرام؟ حلال؛ لأنه طلق للعدة، إذ أن النفساء إذا طلقت شرعت في العدة من حين الطلاق، فيكون قد طلق للعدة، فإذا أورد علينا شخص فقال: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لـ عمر: (مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) فنقول: هو يخاطب رجلاً طلق امرأته في حيض، والمعنى: طاهرة من الحيض لا مطلق الطهر، وعلى هذا فالطلاق في النفاس جائز وليس بطلاق بدعي، وهو نافذ؛ لأنه إذا طلقها في هذه الحال فقد طلق للعدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015