نعود إلى الصوم فنقول: إن الصوم نوعان: صوم عن المحسوسات.
وصوم عن المعنويات.
فالصوم عن المحسوس كل واحد يقدر عليه، لكن الصوم عن المعنويات ليس كل أحد يقدر عليه.
الأول: الصوم عن المحسوسات هو الصوم عن الأكل والشرب والجماع وما يفطر الصائم، هذا صوم عن شيء محسوس غذاء للبدن فقط، وهذا كل إنسان يقدر عليه.
الثاني: الصوم عن المعنويات، وهذا هو الشاق، وهو الصوم عن المعاصي.
فمن صام عن المفطرات الحسية ووقع في المعاصي والمآثم فإنه لم يأت بروح الصوم ولا بحكمة الصوم، والدليل: قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] ، ما قال: لعلكم تجوعون، لعلكم تعطشون، لعلكم تتركون التمتع بالنساء لا، إنما قال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] ، هذه هي الحكمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ، إن الله عز وجل لا يريد منا إذا صمنا أن نتعذب بترك الأكل والشرب والنكاح، إنما يريد أن ندع قول الزور والعمل به والجهل، وليس الجهل ضد العلم، الجهل هو العدوان، وعلى هذا قول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
إذاً: الصوم الحقيقي هو الصوم عن الأمور المعنويات، أي: عن المعاصي، ولهذا قال الشاعر:
إذا لم يكن في السمع مني تصاون وفي بصري غض وفي منطقي صمتُ
فحظي إذاً من صومي الجوع والظمأ فإن قلت إني صمت يوماً فما صمتُ
والشاعر أخذ هذا المعنى من الآية والحديث.
وهل الذي يصوم ولا يصلي هل هو صائم حقيقة؟ لا والله، يوجد أناس -والعياذ بالله- يسهرون الليل كله في رمضان، وإذا تسحروا وملئوا بطونهم برزق الله ناموا عن صلاة الفجر والظهر والعصر، وإذا قاربت الشمس أن تغرب قاموا وصلوا الفجر والظهر والعصر، ولا يذكرون الله فيها إلا قليلاً، ولو تأخر الغروب لتأخروا، لكن لقرب أكلهم استيقظوا، هؤلاء ما صاموا، صومهم ناقص للغاية.
أناس صاموا وجعلوا يأكلون لحوم الناس بالغيبة، أصام هؤلاء؟ ما صاموا حقيقة.
أناس صاموا ولكنهم يتعاملون في البيع والشراء بالغش والكذب والأيمان الكاذبة، أصام هؤلاء؟ لا، هؤلاء لم يصوموا.
إذاً: يجب علينا أن نلاحظ الصوم المعنوي، وهو الصوم عن المعاصي، هذا أهم شيء، أما الصوم عن المفطرات الحسية فهذا أمر سهل كل يستطيعه.