قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] استمع إلى ما سيأتي في أوصاف عباد الرحمن، وتأمل كيف قال: عباد الرحمن! ليشير إلى أن كونهم عبيداً لله إنما هو برحمة الله عز وجل قال: عباد الرحمن، ولم يقل: عباد الله؛ لتعلم أنهم لم يكونوا عباداً لله إلا برحمة الله عز وجل.
وأوصافهم: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] فإذا قال قائل: هل الخلق كلهم عبيد لله، أو العبيد لله هم العابدون له؟
صلى الله عليه وسلم كل الخلق عبيد لله، قال الله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93-95] كل الخلق عباد لله أرقاء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا يستطيعون أن يدفعوا ما أراد الله بهم، أعتى العتاة وأشدهم عناداً عبدٌ لله، لكن بالعبودية الكونية لا بالعبودية الشرعية، ولذلك تحدى الله عز وجل الكفار فقال تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:83] أي: الروح صعدت من البدن حتى وصلت إلى الحلقوم {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:84-85] (أقرب إليه منكم) أي: بملائكتنا، الملائكة الذين يحضرون لقبض الروح، (ولكن لا تبصرون) فالذين عند الميت حال الاحتضار لا يشاهدون شيئاً {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة:86] أي: كما تزعمون أنكم لن تجازوا على الأعمال ولن تبعثوا {تَرْجِعُونَهَا} [الواقعة:87] ما هو الجواب؟ لا يمكن أن يرجعوها، متى بلغت الروح الحلقوم لو اجتمع أهل الأرض كلهم وأهل السماء فلن يستطيعوا ردها {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:87] لا يمكن.
إذاً: هل الخلق جميعهم كافرهم ومؤمنهم عبيد لله؟ نعم، عبيد لله بالمعنى الكوني، لا يمكن أن يفروا من قضاء الله وقدره، لكن العبادة المفيدة عبادة الشرع، العابدون لله بشرعه اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم.
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] ذكر صفاتهم الفعلية والقولية {يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] تجده يمشي لا مشية المجنون المخبول، ولا مشية المتسرع؛ بل مشية هينة، وليس المعنى: أنهم لا يسرعون، بل يسرعون في موضع الإسراع ويخفضون في موضع الخفض، لكن هوناً متواضعين لله، متواضعين لعباد الله.
{وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ} [الفرقان:63] وأساءوا إليهم بالقول لا يقابلونهم ولكن {قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] قد يتبادر لبعض الناس أن المعنى: أنهم يقولون: سلامٌ عليكم، ولكن المعنى أعم من ذلك، أي: قالوا قولاً يسلمون به، إما سلام عليكم، وإما كلام لين آخر يسلمون به.