في هذه الليلة سنبدأ بتفسير آخر سورة الفرقان، من قول الله تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً} [الفرقان:61] .
يمتدح جل وعلا نفسه بهذه المخلوقات العظيمة، فيقول: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً} [الفرقان:61] أي: تعالى وتعاظم، وحلت البركة بأسمائه وكلامه عز وجل، كما قال الله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29] وفي دعاء الاستفتاح نقول في الصلاة: (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك) أي: إن البركة تنال باسمك، ولهذا يذبح رجلان ذبيحتين: أحدهما لم يسم على ذبيحته، والثاني سمى عليها، فذبيحة الأول حرام لا بركة فيها، وذبيحة الثاني الذي سمى عليها حلال فيها البركة.
فالله عز وجل متبارك متعالٍ متعاظم: البركة في أسمائه البركة في صفاته البركة في كلامه جل وعلا.
{الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً} [الفرقان:61] (بروجاً) جمع برج، وهي النجوم العالية، هذه النجوم التي نراها ونشاهدها ليلاً هي بروج يعلو بعضها بعضاً وهي اثنا عشر برجاً، ثلاثة للصيف، وثلاثة للشتاء، وثلاثة للخريف، وثلاثة للربيع، فالجميع اثنا عشر برجاً، نجوم عالية، انظر إلى هذه النجوم كيف تراها بهذا الكبر وبينك وبينها من المسافات العظيمة ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، أو من أطلعه الله عليك! {وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً} [الفرقان:61] السراج: الشمس، والقمر المنير: القمر، والأم هي الشمس؛ لأن نور القمر مستفاد من نور الشمس، ولهذا إذا دنا القمر من الشمس ضعف نوره؛ لأنها تضعف المقابلة بينه وبين الشمس ونوره مكتسب من الشمس، فإذا قرب منها قلَّت المقابلة فقلَّ النور، وإذا ابتعد عنها وصار هو في المشرق وهي في المغرب أو بالعكس امتلأ نوراً؛ ولذلك تجدون القمر في ليالي الإبدار مكانه بالنسبة للشمس في أول الليل شرقاً والشمس غرباً، وفي آخر الليل يكون غرباً والشمس شرقاً ويمتلئ نوره؛ لأنها تتم مقابلته مع الشمس، ولهذا سمى الله الشمس سراجاً والقمر نوراً.