الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، وجعله خاتم النبيين وإمام المتقين، بل وإمام المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هذا اللقاء يتجاذبه أمران، الأمر الأول: الكلام عن الإجازة، وماذا يفعل الإنسان في هذه الإجازة الطويلة الصيفية.
والثاني: النكاح.
أما الأول فقد تكلمنا عنه في خطبة الجمعة الماضية وأرجو أن تكون مسموعةً لكثير منكم، ومن لم يسمعها فإنها موجودة -والحمد لله- في الأشرطة، وأما الثاني وهو مهم بل قد يكون أهم وهو النكاح وما يتعلق به.
اعلم أخي المسلم أن النكاح من أخطر العقود وأهمها وأشدها ضرورة وأشدها ضرراً، فالنكاح من سنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] .
النكاح استجابة لداعي الفاطر؛ فإن كل إنسان مفطور على ذلك إلا ما ندر، فهو استجابة للفطرة التي خلق الناس عليها، ومن المعلوم أن استجابة الإنسان لما تقتضيه الفطرة من الأمور المطلوبة، يعني: ما تقتضيه فطرتك فإنه من الأمور المطلوبة بل قد يكون واجباً، أرأيتم الأكل والشرب أتستدعيه الفطرة أو لا؟ تستدعيه، ومع ذلك قد يكون واجباً أحياناً، حتى إنه قد يجب عليك أن تأكل الميتة، فإذا خفت الهلاك وجب عليك أن تأكل ما تسد به رمقك ولو من الميتة.
النكاح تستدعيه الفطرة، فالقيام به استجابة لما تستدعيه الفطرة وتقتضيه، ففي النكاح غض البصر، وتحصين الفرج، وتكثير الأمة وتقارب الأمة بعضها إلى بعض، كم من أناس ليس بينهم صلة ويكون النكاح هو سبب الصلة، ولهذا قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان:54] فالنسب القرابة، والصهر: التقارب بين الناس بسبب الزواج.
ولهذا أكثر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التزوج من أجل أن يكون له في كل بطن من قريش صلة، وليس إكثار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التزوج من أجل إشباع رغبته، ولذلك لم يتزوج بكراً إلا امرأةً واحدة، وهي عائشة رضي الله عنها، ولو كان تعدد الزوجات للرسول عليه الصلاة والسلام من أجل إشباع الرغبة لتزوج الأبكار، ومن الذي يرده؟ أي إنسان يشير عليه الرسول صلى الله عليه وسلم سيجيبه، لكن يريد أن يكون له في كل بطن من بطون قريش صلة؛ لأن التناكح بين الناس من أسباب التقارب والصلة، حتى إن أقارب زوجتك يكونون بالنسبة لأولادك أخوالاً، أو آباءً وأجداداً، أو أمهات وجدات، لذلك نقول: من مصالح النكاح أن يتقارب الناس بعضهم إلى بعض.