Q فضيلة الشيخ في هذه الأيام -ولله الحمد- تكثر الغدران ومجتمعات المياه وجريان الأودية، فهل من نصيحة لإخواننا بحفظ أنفسهم وأولادهم من الهلاك، فإنه يؤلمنا ما نسمع من حوادث الغرق، وهل يلحق الأب أو الأم كفارة وإثم إذا هلك أحد أولئك الأطفال بسبب هذا التفريط؟ أرجو التوجيه وفقك الله تعالى.
صلى الله عليه وسلم التوجيه في هذا أن النعم التي ينعم بها الله على العباد ينقسم فيها الناس إلى مؤمن وكافر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه في يوم من الأيام صلاة الفجر على إثر سماء كانت من الليل - أي: مطر نزل في الليل - فلما صلى الفجر أقبل على الناس وقال لهم: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب - أعوذ بالله - وأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب) ونص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك؛ لأن العرب في جاهليتهم ينسبون الحوادث الأرضية إلى الأحوال الفلكية، وهذا حرام، فليس بين الأحوال الفلكية والحوادث الأرضية أي علاقة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته) كانوا مثلاً إذا أمطروا في أول الشتاء قالوا: مطرنا بالوسم، الوسم بركة وخير، مع أنهم يعلمون أن الوسم أحياناً لا يأتي به ولا قطرة ماء.
ومثل ذلك ما نسمع في بعض الصحف المنحرفة التي تريد لهذه الأمة أن تعود إلى الجاهلية الأولى من قولهم: إذا ولد فلان في نوء كذا أو في برج كذا فله السعادة، وإن ولد في نوء كذا أو في برج كذا فله الشقاء وما أشبه ذلك، كل هذا حرام ولا يجوز أن يصدق، والصحف المشتملة على مثل هذا يجب أن تهجر وألا تشترى، وأن يحذر منها، وأن يعلم أن هؤلاء إنما يأتون بهذه الصحف ليكسبوا بها مالاً ويفسدوا بها ديناً -والعياذ بالله- وإلا فنحن نجد الرجلين يولدان في برج واحد وفي نجم واحد وفي يوم واحد، بل وربما في ساعة واحدة يختلف أحدهما عن الآخر اختلافاً عظيماً في كل أمور الحياة وكل أمور الدين، ولا علاقة لحوادث الأرض بأحوال السماء، لا علاقة بينهما إطلاقاً، ويكفيك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته) وقوله فيمن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا (إنه كافر بالله مؤمن بالكوكب) .
أعود إلى موضوع السؤال: أنعم الله علينا -والحمد لله- بنعم كثيرة في هذا الأسبوع بالنسبة للمطر، كثرت الأمطار، وكثرت الغدران، وكثرت الوديان، وكان بعض الناس يتهاون في الأمور، فتجده يدخل الماء في الشعيب ولا يبالي، ولا يدري أن الماء إذا صار قوياً لم يستطع الإنسان أن يتخلص منه مهما بلغت من قوة؛ لأنه يدفعه بغير اختياره، وهو إذا غاص في الماء وانخنق ودفع نفسه بقوة إلى فوق سيثقل وزنه؛ لأن قوته تضعف وبطنه يمتلأ ماءً، وفي النهاية يموت، وحينئذٍ يكون عاصياً لله عز وجل؛ لأن الله قال: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] ويقول: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} [البقرة:195] .
ولولا أننا نعتقد أن هذا الرجل حينما تجاوز الوادي وهو يمشي أو دخل في الغدير، لولا أنه يعتقد أنه سينجو لقلنا: إنه قاتل نفسه، وأي إنسان يقتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في جهنم -والعياذ بالله- خالداً مخلداً نسأل الله العافية، لكن هؤلاء يخاطرون ويظنون أنهم سينجون ولكنهم لا ينجون.
أما بالنسبة للصغار فالواجب أن يبتعدوا عن هذه الأماكن بعداً ساحقاً ولا يكونون حولها، يكفيه أن يخرج هو وأهله وينظر إلى الشعيب، يقفون جميعاً خمس دقائق أو عشر دقائق ثم ينصرف إلى موضع آخر؛ لأنه لا بد من الغفلة، فإنه: لو نزل على شفا الوادي فلا بد من غفلة من الكبار، الإنسان لا يجعل عينه في أولاده دائماً، لا بد أن يغفل.
ثم إنه يجب ألا يخفى علينا جميعاً أن الأرض تطوى للصغار، فالصغير بينما هو عندك ما تمر لحظات إلا وهو بعيد عنك سبحان الله! يعني: يذهب بسرعة، تعجبت كيف مشى هذا المشي! فلذلك ننصح إخواننا فنقول: لا تنزلوا حول الأودية ولا حول الغدران، ولا في النقر -نقر النفود- إذا صارت متقاربة وصغيرة؛ لأن الصبي قد يرقى النفود وينزل في هذه النقرة ولا يفطنون له ويضيع، والأولاد أمانة في أعناقنا يجب علينا أن نحافظ عليهم محافظةً تامة؛ لأن الولد الذي لا يميز كالبهيمة سواء، بل يمكن أن البهيمة أحسن منه، فالبهيمة لو ذهبت يمكن أن ترجع إلى أهلها لكن هو لا يرجع.