Q فضيلة الشيخ: أرجو من فضيلتكم شفائي بالجواب الكافي لمشكلتي وهي: أنني فتاة مستقيمة بعض الشيء، فأنا محافظة على الصلوات والسنن الراتبة - ولله الحمد - وأحاول تطبيق سنة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان أقوم الليل، وغالباً ما ينكسر قلبي عند سماع بعض آيات الوعيد بالنار وآيات الوعد بالجنة، وتراني أبكي وأجهش بالبكاء، ووالله إني لأحب أهل الدين والطاعة وأبغض أشد البغض أهل المعاصي، ولست من الفتيات اللاتي يضيعن أوقاتهن بمشاهدة التلفاز أو بقراءة الصحف والمجلات، فلست من هذا كله، ومشكلتي: هي أنني ينتابني شعور غريب في بعض الأوقات وخاصة عندما أصلي أو أقرأ القرآن، فأحس بأن صدري يضيق جداً، وأن شيئاً ما يضغط على صدري، فترى الشيطان يوسوس لي بوساوس عدة وأسئلة واستفسارات كثيرة تخص الدين، فأقوم وأستعيذ من الشيطان الرجيم وأكثر من ذلك، ولكن لا يزال الشيطان بي ولا أستطيع التخلص منه مما يدعوني بعض الأحيان إلى ترك العبادة التي أنا بصددها، والآن يا فضيلة الشيخ: أنا خائفة أشد الخوف أن يتمكن الشيطان مني ويزعزع ديني وعقيدتي، فما السبيل إلى الخلاص منه؟ أرشدني وفقك الله في الدارين، وجمعنا الله وإياك والمسلمين أجمعين في دار كرامته.
صلى الله عليه وسلم الواقع أن هذه الوساوس لها سبب ولها دواء، هي لا شك أنها مرض تحتاج إلى دواء، وهذا المرض له سبب، وسببه: أن الشيطان إذا رأى من شخص الاستقامة في دين الله حاول بكل الوسائل أن يصده عن سبيل الله، قال الله تبارك وتعالى -عن الشيطان-: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف:17] وعدو لك يقعد لك صراط الله المستقيم، ويأتيك من كل جهة لا شك أنه يريد أن يهلكك ويدمرك، ولكن إنما يأتي الشيطانُ المستقيمَ من الرجال والنساء، أما غير المستقيم فالشيطان قد استراح منه، لا يأتي إليه أبداً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد شكا الصحابة إليه ذلك قال: (أوجدتم هذا؟، قالوا: نعم يا رسول الله.
قال: ذاك صريح الإيمان) الصريح من كل شيء الخالص الذي لا يشوبه شيء، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن هذا صريح الإيمان) يعني: خالصه، مع أنه يوجد وسوسة لكن المؤمن يدافع هذا ويكره هذا، ولو سئل عما في قلبه: أتعتقده؟ لقال: أعوذ بالله! أنا أفر منه فراري من الأسد أو أشد، ولكن الشيطان يوسوس له، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ذاك صريح الإيمان) .
وذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهذا الداء دواءين، وإن شئت فقل: دواءً مركباً من شيئين: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والانتهاء أي: الإعراض، بأن يتغافل الإنسان عن هذا ويتشاغل بأعماله وعباداته وحينئذٍ يزول، الاستعاذة بالله أن تقول وأنت مفتقر إلى الله عز وجل، عالم بأنه وحده هو القادر على أن يعيذك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
الثاني الإعراض -الانتهاء- اترك هذا وكأنه لم يكن، وحينئذٍ يزول عنك.
ويذكر أن اليهود قالوا لمن حولهم من الأنصار وغيرهم: إننا نحن لا نوسوس في صلاتنا -يعني: ما نفكر- فقيل لـ ابن مسعود أو لـ ابن عباس: إن اليهود يقولون: إننا لا نفكر، قال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بقلب خراب؟!! ماذا يصنع؟ لا شيء، إذا كان القلب خراباً فلا يحاول هدمه، لكن إذا كان القلب عامراً بذكر الله وطاعة الله وخشية الله حينئذٍ يهاجمه الشيطان.
فأقول لهذه السائلة: بارك الله لها في عبادتها وعملها، وعليها أن تعرض عن هذا إعراضاً كلياً وتتناساه بعد الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ثم إن ذلك لا يضرها لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (ذاك صريح الإيمان) والحمد لله على نعمه أن مثل هذه الوساوس المزعجة المروعة لا تضرنا ولله الحمد، أسأل الله لنا ولكم الثبات.