العلامات الإعرابية الملائمة, أشعر بميل شديد إلى الزعم بأن الأخطاء اللغوية التي شاعت على ألسنة الموالي, وأصابت عدواها ألسنة بعض العرب, لم تكن مقصورة على هذا النوع من أنواع الأخطاء. فأكبر الظنّ أن هذا الذي سموه لحنًا كان يصدق على أخطاء صوتية؛ كالذي يشير إليه مغزى تسمية اللغة العربية الفصحى "لغة الضاد", ويفصله ما يروى من نوادر الموالي كأبي عطاء السندي1 وسعد الزندخاني2 وغيرهما. كما كان يصدق على الخطأ الصرفي الذي يتمثل في تحريف بنية الصيغة أو في الإلحاق أو الزيادة، وعلى الخطأ النحوي الذي كان يتعدّى مجال العلامة الإعرابية أحيانًا إلى مجالات الرتبة والمطابقة وغيرهما. وعلى الخطأ المعجمي الذي يبدو في اختيار كلمة أجنبية دون كلمة عربية لها المعنى نفسه, ويصدق على جميع هذه الأنواع من الخطأ أنها أخطاء في المبنى أولًا وأخيرًا, ولو أدت في النهاية إلى خطأ في المعنى لم يكن نتيجة خطأ في القصد.
من هنا اتسمت الدراسات اللغوية العربية بسمة الاتجاه إلى المبنى أساسًا, ولم يكن قصدها إلى المعنى إلّا تبعًا لذلك وعلى استحياء، وحين قامت دراسة "علم المعاني" في مرحلة متأخرة عن ذلك في تاريخ الثقافة العربية, كانت طلائع القول في هذه الدراسة كما كانت في بداية دراسة النحو من قبلها تناولًا للمبنى المستعمل على مستوى الجملة, لكن لا على مستوى الجزء التحليلي كما في الصرف, ولا على مستوى الباب المفرد كما في النحو. ومن هنا رأينا عبد القاهر في دلائل الإعجاز يتكلم في النظم والبناء والترتيب والتعليق, وكلها أمور تتصل بالتراكيب أكثر مما تتصل بالمعاني المفردة. وسنحاول فيما يلي أن ننظر عن كثبٍ في طابع منهج النحاة, وفي طابع منهج البلاغيين, لنرى صلة كلٍّ منهما بالآخر، ثم ننظر من بعد في صلتهما بمنهج المعجميين إجمالًا, لنصل من وراء كل ذلك إلى تقويم الدراسات العربية من حيث صلاحيتها للكشف عن المعنى.