التدخل في مجرى الهواء الرئوي الذي يعتبر المادة الأولى للكلام, فإما أن يقفل مجراه ثم يسرح الهواء بسرعة, وإما أن يقفل ويسرح الهواء ببطء, وإما أن يضيق, وإما أن يترك مجرى الهواء كما هو دون إقفال أو تضييق, فالأساس هنا إذًا هو طريقة النطق, ويمكن أن يشتمل كل مخرج من هذه المخارج التي ذكرناها بحسب طريقة النطق هذه على أصوات شديدة أو رخوة أو مركبة أو متوسطة أو غير ذلك مما تختص به لغة ما. وقد يكون الأساس هو وجود اهتزاز في أوتار الحنجرة, أو كما نسميها الأوتار الصوتية أثناء نطق الصوت, أو عدم وجود هذا الاهتزاز, والتبويب على هذا الأساس يكون إلى صوت مجهور وآخر مهموس. وقد يكون الأساس هو شكل حجرات رنين الصوت أثناء النطق, مما يتسبب عن وضع مؤخر اللسان ارتفاعًا أو انخفاضًا، وهذا الأساس يعطينا التفريق بين المفخَّم والمرقَّق من الأصوات.
المسألة إذًا مسألة تبويب, والتبويب تفريق, والتفريق رصد فروق قد تكون على أسس متعددة كما رأينا, والفروق مقابلات, وهذه الفروق أو المقابلات هي القيم الخلافية التي تعتبر عنصر أساسيًّا من عناصر النظام الصوتي, أو أي نظام آخر في اللغة, ومن أهم القيم الخلافية في أيّ نظام لغوي اختلاف الوظيفة التي تؤديها كل واحدة من وحدات النظام, وهي التي نطلق عليها "المعنى الوظيفي". وفي حالة النظام الصوتي العربي بالذات تقوم الوظيفة أو المعنى الوظيفي أولًا وقبل كل شيء بالتفريق بين طائفتين متباينتين من الأصوات؛ إحداهما الصحاح والأخرى العلل. ومعنى ذلك أن للصحاح وظيفة تختلف عن وظيفة العلل في نظام اللغة العربية, فما وظيفة كلٍّ منهما؟ من وظائف الصحاح في اللغة العربية ما يأتي:
1- إنها تكون أصولًا للكلمات العربية من حيث الاشتقاق, فتكون فاء الكلمة أو عينها أو لامها, أي: تكون حروف مادتها من وجهة نظر المعجم ولا تكون العلل "المد والحركة" كذلك, أما الواود والياء من بين الصحاح فإنهما قد تكونان حرفي لين لهما هذه الوظيفة التي للصحاح, وقد تكونان حرفي مد فتعتبران من العلل ولا تقومان بهذه الوظيفة, وسنرى التفريق بين اللين والمد فيما بعد. غير أننا نستطيع هنا أن نقول: إن الواو في قول لينة وفي غيور حرف مد, وكذلك الياء في بيع وقتيل.