بين هذين المستويين من مستويات التفكير أثناء عرضهم لحقائق البحث, فيقوم الطالب على المستوى الصوتي بالملاحظة, ويقوم على مستوى الصوتيات بالتجريد والتنظيم والتبويب والتقسيم.

لقد سبق لنا أن ذكرنا في الفصل الأول من هذا الكتاب أن علم الصوتيات ينبني على دعامتين رئيسيتين هما:

1- معطيات علم الأصوات, أي: مجموعة الملاحظات المسجَّلة التي تقرر أن اللغة المدروسة تشتمل على عدد معين من الأصوات لكلٍّ منهما وصفه العضوي والسمعي.

2- طائفة من المقابلات بين الأصوات من حيث المخارج والصفات والوظائف, وهذه المقابلات هي جهات الاختلاف بين كل صوت وكل صوت آخر, إما من حيث المخرج فقط, أو الصفة فقط, أو هما معًا, وتسمَّى "القيم الأخلاقية".

ونود الآن أن نشرح كيف يقوم الباحث بتكوين النظام الصوتي للغة, ثم نثني بعد ذلك بشرح طبيعة تكوين النظام الصوتي للغة العربية الفصحى.

بعد أن يكتمل وصف الأصوات التي تَمَّت ملاحظتها وحصرها, يقوم الباحث بمحاولة استقراء القيم الخلافية التي تفرق بين كل صوت منها وبين الصوت الآخر, وسيرى أن هذا العدد الكبير من الأصوات يتوزَّعه عدد من المخارج, ومن ثَمَّ يمكن تقسيم هذا العدد بواسطة هذه المخارج إلى أقسام بعددها, وقد رأينا أن سيبويه قسَّم الأصوات خمسة عشر قسمًا, يشترك كل قسم منها في مخرج خاص. فتقع الباء والميم والواو مثلًا في مخرج واحد, وتقع الظاء والذال والثاء في مخرج واحد أيضًا, وتقع الهمزة والهاء في مخرج واحد كذلك. ومعنى ذلك بالضرورة أن كل مجموعة من الأصوات مشتركة في مخرج واحد تظل بحاجة إلى أساس آخر يفرق بين كل واحد منها وبين الآخر في نطاق المخرج الواحد, وهنا يأتي دور الصفات التي تتصف بها الأصوات, والتي تعتبر الأساس السمعي للتفريق بينها وهذه الصفات نفسها, تختلف من حبث الأساس الذي تنبني عليه, فقد يكون التبويب مبنيًّا على أساس طريقة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015