الآخرين. فالعبارات التي يستعملها الأب غير العبارات التي ترد على لسان الأم, فالأب مثلًا لا يقول: "يا حبيبي" إذا كان يخاطب الكبار من أبنائه, ولكن الأم تقول ذلك بإسراف. والبنت لا تكلم أباها في شئونها الخاصَّة, ولكنها تكلم أمها, والأخ الأصغر في الأسرة يتلقَّى التوجيه الصحيح من بقية أفراد الأسرة, وليس له فرصة لأن يوجه الآخرين أو يصحح أخطاءهم. ولو حاول ذلك لكانت تلك مناسبة طيبة للضحك وللتدليل والإعجاب بالصغير الطموح غير الواعي بدوره في الأسرة.
ومعنى ذلك بالطبع أن الأدوار موزَّعة توزيعًا محكمًا بين أفراد الأسرة, ولكل دور منها عبارات وحركات ومواقف نفسية واجتماعية, ومعانٍ تختلف من فرد إلى آخر من أعضاء هذه الأسرة, فالموقف الاجتماعي والنفسي إلخ لكل عضو يختلف عن مواقف بقية الأعضاء, حتى إنَّ الأخوة في الأسرة مع اندراجهم جميعًا تحت عنوان: "البنوة" بالنسبة لأبيهم وأمهم, واشتراكهم في "الأخوة" يتقاسمونه بالتساوي فيما بينهم, تختلف أدوارهم من حيث السيطرة والخضوع والحزن أو التدليل في المعاملة وتحمل المسئوليات في نظام الأسرة, والقرب أو البعد من الأبوين, والاعتماد أو عدم الاعتماد عليهما. ومع أنني لا أريد أن أقفز إلى استنتاج الحقائق من طبيعة هذه الأدوار قبل أوانها الذي يأتي بعد إيفاء القول فيها حقه من البيان, أستطيع أن أقرر هنا أن الدور الاجتماعي أيًّا كان نوعه هو علاقة تنضوي تحتها طائفة من المقامات التي تنبع من تشابك الأساسين الآخرين. "دور الفرد في الأداء" و"غاية الأداء" في إطار هذه الأساس الأول المذكور: "دور الفرد في المجتمع", وسيأتي شرح ذلك بعد قليل.
قد يكون الفرد واحدًا من مجموعة من الأصدقاء الذين يقضون وقت فراغهم معًا في منتدى معين, ويتنزهون معًا, ويذهبون إلى السينما معًا, وبذلك يصدق عليهم اللفظ العامي "شلة", أو اللفظ الفصيح "ثلة", والغالب في دور كل واحد من أفراد هذه الثلة أن يحدده عرف الصحبة وقوة الشخصية والخبرة فيما بينهم, فيكتسب سلوك كل واحد منهم حيال الآخرين نمطية معينة وأسلوبًا محددًا, وربما كونوا فيما بينهم "لغيّة" خاصة بهم