ولا أريد أن أصرح وقد لمح هو. وإن كنت أحب أن أشير إلى أن إسقاط حرفي الجر هنا يجعل الآية صالحة للمعنيين في وقت واحد.

إنَّ مجموع الأشخاص المشاركين في المقال إيجابًا وسلبًا, ثم العلاقات الاجتماعية والظروف المختلفة في نطاق الزمان والمكان هو ما أسميه "المقام", وهو بهذا المعنى يختلف بعض اختلاف عن فهم الأولين الذين رأوه حالًا ثابتة state, ثم جعلوا البلاغة مراعاة مقتضى الحال. ويؤخذ المقام -كما فهمناه هنا- دائمًا من نسيج الثقافة الشعبية زمانيًّا في تطورها من الماضي إلى الحاضر؛ إذ يرثها جيل عن جيل, فتكون عنصر ربط بين هذه الأجيال, ومن ثَمَّ تكون الضمان الوحيد لاستمرار المجتمع في التاريخ, ثم مكانيًّا حيث يترابط بها أفراد الجيل الواحد من هذا المجتمع ما دام كلّ منهم قد نشأ في خضم هذه الثقافة وجعل منها منهجًا لحياته في المجتمع, أو بعبارة أدق: جعل منها مجرى لسلوكه لا يملك التحوّل عنه, حتى إنه ليتصرف في ظرفٍ بعينه تصرفًا بعينه, وكلما تكرر الظرف تكرر التصرف نفسه. وليس المقصود بالثقافة هنا أيّ معنى يرتبط بالتعليم والتثقيف, وإنما المقصود بها هنا ما يشمل مجموع العادات وطرق السلوك والتقاليد والمعتقدات والخزعبلات والفلكلور الشعبي والأحاجي ووسائل التكسب والعواطف الجماعية والنظرة الجماعية إلى الأحداث والأشياء. وبحسب هذا الفهم الشامل لفكرة "المقام" يعتبر النص "المقال" -منطوقًا كان أم مكتوبًا- غير منبت عمن ساقه ومن سيق إليه, ولو أننا حاولنا فهم المقال منفصلًا عن المقام لجاء فهمنا إياه قاصرًا مبتورًا أو خاطئًا. إن من يقرأ قول شوقي:

وما للمسلمين سواك ذخر ... إذا ما الضر مسهمو ونابا

ليرى في "مقال" البيت حين يقطعه عن "مقامه" أن شوقيًّا يجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- "وهو ميت في ضريحه الطاهر" ملاذًا للشعوب الإسلامية "وهي تعيش وتسعى وتكافح وتستطيع من الحيلة والحركة والفاعلية ما لا يستطيعه ميت في جدثه" فكيف هذا؟ إن معنى البيت يتضح في ضوء المقام" ما لا يتضح بدونه, ففي المقام أنَّ المسلم يتوسّل إلى الله وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015