جاء لاحقًا "أو ملحقًا" لنزول الآية الثانية, وهو القاعدة الأصولية التي تقول: "الأمر يفيد الوجوب"؛ إذ لا يكمل فهمنا للنصِّ هنا إلّا مع اعتبار هذه القاعدة.
وإذا كان المقام ضروريًّا للفهم فإنه يكون أحيانًا ضروريًّا لعدم تحديد فهمٍ بعينه؛ كالذي نلمحه في مقام التعمية والإبهام والإلغاز؛ إذ يكون اللبس الذي تسببه التعمية, أو يأتي عن الإبهام والإلغاز مقصودًا لذاته فلولا فهم المقام هنا والمعرفة بأنه مقام تعمية ما قبل الناس المقال, ولا أقبلوا عليه ولا اعترفو بأنه نص يستحق عناء النظر الجاد. ويتضح ذلك مثلًا في قول الشاعر في خياط أعور خاطه له قباء:
خاط لي عمرو قباء ... ليت عينيه سواء
فاسأل الناس جميعًا ... أمديح أم هجاء
فلا سبيل إلى معرفة التمني بلفظ "ليت", أكان للخياط أم عليه إلّا بمعرفة ما إذا كان الشاعر قد رضي عن قبائه أو سخط عليه, ولكن إخفاء هذا الجانب من الرضى أو السخط في بطن الشاعر حال بين الرضى أو السخط وبين أن يكون مقامًا لفهم النص, وأحل محله مقام التعمية فأصبحت التعمية جزءًا من المعنى, وأصبح اللبس الذي فيها مقصودًا لا يراد دفعه.
وهل لنا أن نزعم قصد التعمية أو عدم القصد إلى تحديد شق بعينه من شقين ممكنين للمعنى, أو بعبارة أخرى: عدم القصد إلى تحديد أحد الاحتمالين في الفهم عندما نقرأ قوله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُن} ؟ إن هذا النص يحتمل حرفي الجر: "في" و"عن" فيصبح المعنى صالحًا لأن يكون: "وترغبون في نكاحهن" أو على العكس من ذلك "وترغبون عن نكاحهم", فهل لنا أن نزعم هنا أن التعمية مقصودة في النص؛ لأن بعض يتامى النساء كنَّ من الجميلات اللاتي يرغب الأولياء في نكاحهن, وكان البعض من الدميمات اللاتي يرغب هؤلاء الأولياء عن نكاحهن؟ إن الزمخشري1 يلمح تلميحًا إلى قصد التعمية