إذا وقف معلم اللغة العربية يشرح لطلابه بيتًا لمروان بن أبي حفصة يقول فيه:
أنَّى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام
فلن يستطيع أن يشرح هذا البيت أيّ قدر من الشرح إلّا إذا مسَّ علم الميراث ولو مسًّا خفيفًا, وشرح لهم رسالة إخوانية يقول مرسلها لمن يرسلها إليه: "أنت جوهر الفضل وهيولاه" فلن يعرف كيف يشرح هذه العبارة لتلاميذه إلّا إذا ألَمَّ إلمامًا يسير بالمقولات وبالفلسفة, وإذا أراد أن يشرح لهم الرسالة الهزلية لابن زيدون فإنه سيضَّطر إلى معرفة الكثير من فروع المعرفة؛ لأن الرسالة مليئة بالإشارات التاريخية والفلسفية والشرعية واللغوية وغيرها. فكل هذه العلوم المترابطة تتحد في كلٍّ متماسك لتوضح "المقام" للنص المكتوب.
ويحتّم الأصوليون على مَنْ يتصدَّى لاستخراج الأحكام من القرآن أمورًا لا ينبغي أن يغفل عنها, هي في الواقع "مقام" للفهم, فعليه مثلًا:
1- ألّا يغفل عن بعضه في تفسير بعضه.
2- ألّا يغفل عن السنة في تفسيره.
3- أن يعرف أسباب نزول الآيات.
4- أن يعرف النظم الاجتماعية عند العرب.
فهذه العناصر الأربعة يمكن اختصارها في كلمة "المقام", فلا ينبغي لمن يتصدَّى لتفسر آية أن يغفل عن مقامها, يقول صاحب أصول التشريع الإسلامي1: "فإذا غفل عن بعضه لم يسلم استنباطه من الزلل, وتعرض عمله للفساد, فلا ينبغي مثلًا أن يفسر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} مع الغفلة عن قوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} ، ولا قوله تعالى: