في هذه المسألة بالتأمل في السؤال الآتي: كيف يأمل المتكلّم في أن يكون واضحًا وهو يستعمل كلمة ذات معنى متعدد ومحتمل؟ والإجابة هي أن المتكلم لا يستخدم الكلمات, وإنما يحولها إلى ألفاظ محددة الدلالة في بيئة النص.
نعم! "ألفاظ"؛ لأن الكلمة الصامتة صورة صوتية مفردة في ذهن المجتمع أو صورة كتابية مفردة بين جلدتي المعجم, والصورة دائمًا غير الحقيقة, فحين يلتقطها المتكلم يحولها.
أ- من الصورة إلى الحقيقة الحسية "سمعيًّا أو بصريًّا".
ب- من الإفراد "وهو طابع المعجم" إلى السياق الاستعمالي "وهو طابع الكلام".
عندئذ يحرك بها لسانه ناطقًا أو يده كاتبًا, فيتحول اعتبارها من "كلمة" إلى "لفظ", ففرق ما بين الكلمة واللفظ هو فرق ما بين اللغة والكلام, فاللغة "والكلمة وحدة من وحداتها" صامتة, والكلام "واللفظ جزء من نسقه" محسوس, واللغة سكون والكلام حركة.
وهذا هو أحد أوجه الاعتراض على من عرَّف الكلمة من النحاة بأنها: "اللفظ المفرد" أو "لفظ وضع لمعنى مفرد"؛ لأن هذا التعريف يغفل عن حقيقة الفرق بين الكلمة وبين اللفظ كما حددناها هنا. وحاول بعض النحاة أن يعرف الكلمة بأنها "قول مفرد" فلم يكن أسعد حظًّا من صاحبيه, والأسباب واضحة لأن القول ربما يكون من أكثر من لفظ واحد, وتقاليد التحليل في اللغة العربية تجعل مقول القول دائمًا في صورة جملة. وسيجد القارئ الكثير من محاولات تعريف الكلمة والرد عليها في كتابنا "مناهج البحث في اللغة" فمن شاء فليرجع إلى ذلك في الكتاب المذكور.
عند هذا الحد أجدني مدفوعًا إلى استكشاف الطبيعة العرفية للكلمة وما يتصل بذلك من مبحث التفريق بين اللغة والكلام. ولقد تناول الباحثون