Lexicology يتناول بالدراسة والتحليل والنقد والتأريخ والمقارنة تلك الطرق والمناهج التي استخدمها المعجميون العرب في جمع معاجمهم, موصيًا بأحسن الطرق التي وصلت إليها المناهج العلمية في هذا المجال في مختلف لغات العالم, ولعل لفظ "البيان" ومعناه "الشرح" يذكرنا بأن عمل المعاجم هو بيان دلالة الألفاظ واختلاف هذه الدلالة بحسب الاستعمال.
وأما الفرع الثالث من فروع البلاغة وهو علم البديع, فقليل من ظواهره ما يتصل بالمعنى كالجناس والتورية ونحوهما, وإن الجناس التام ليحمل بعض عناصر الشبه بالمشترك اللفظي؛ حيث يتحد اللفظ ويختلف المعنى, على أن جمهرة الظواهر البديعية ليست أكثر من محسنات لفظية -وكذلك سماها الأولون - فلا تدخل في دراسة المعنى العرفي دخولًا مباشرًا؛ لأن معناها أي: المقصود منها هو "التحسين", وهو فني لا عرفي.
وإذا علمنا أن علم المعاني يتناول المعنى الوظيفي, وأن علم البيان يتناول المعنى المعجمي, وأن علم البديع يتناول صنعة فنية لا يتحتم فيها أن تتصل بالمعنى, علمنا أن البلاغة العربية لا تتناول المعنى الاجتماعي تناولًا مقصودًا, ولكنا على الرغم من ذلك قدمت لدراسة المعنى الاجتماعي أو المعنى الدلالي كما أسميه في هذا البحث, فكرتين تعتبارن اليوم من أنبل ما وصل إليه علم اللغة الحديث في بحثه عن المعنى الاجتماعي الدلالي, وأولى هاتين الفكرتين فكرة "المقال" Speech event, والثانية فكرة "المقام" Context of situation, وأنبل من ذلك أن علماء البلاغة ربطوا بين هاتين الفكرتين بعبارتين شهيرتين أصبحتا شعارًا يهتف به كل ناظر في المعنى: العبارة الأولى "لكل مقام مقال", والعبارة الثانية "لكل كلمة مع صاحبتها مقام".
فأما العبارة الأولى فتؤكد أن استخراج المعنى من المقال فحسب, لا بُدَّ أن يشتمل على إغفال معيب لأهم عنصر من عناصر المعنى وهو "المقام", أو الظرف الذي حدث فيه "المقال", وسوف يتضح لنا فيما بعد عند دراسة المعنى الدلالي خطر هذا العنصر الاجتماعي "عنصر المقام" من عناصر المعنى.