الذي كان ينبغي أن يكون ميزة للجهود المحدثة على جهد عبد القاهر. ولكن هذا الطابع الذي اتسم به علم المعاني من بين علم البلاغة جعل هذا العلم نحوًا من النحو, وصيَّره كالنحو صناعةً مضبوطة صلى الله عليه وسلمxact System لا منهجًا ذوقيًّا للنقد الأدبي.
وأما علم البيان فأكثر صلة بالدراسة المعجمية منه بالقواعد التي تبحث في المعاني الوظيفية, فمجال علم البيان كمجال المعاجم, هو النظر في العلاقة بين الكلمة وبين مدلولها, ولقد كان البيانيون دائمًا على ذكر من الطبيعة العرفية لوضع الكلمة, ومن تخصيص كل كلمة بمعنى تدل عليه بحسب الوضع, فلا تكون أوسع منه ولا أضيق في الدلالة. وكما يختلف التحليل والتركيب في صناعة النحو على مثال ما ذكرنا من قبل يختلف معنى الوضع كذلك عن معنى الاستعمال في دراسة البيان, فالواضع يضع اللفظ لمعنى مطابق, فتكون دلالته على هذا المعنى من باب الحقيقة", ولكن اللغة -أي لغة في العالم- أضيق في مجالها الفظي التي ترد على أخيلتهم, ومنها تصبح المعاني العرفية -أي: الحقيقية- للألفاظ قاصرة عن الوفاء بمطالب التعبير اللغوي, وفي مجال الأفكار المجردة والصورة والظلال بوجه خاص. ومن هنا يصبح التعبير اللغوي بحاجة إلى جواز الحقيقة العرفية إلى استعمالٍ آخر للفظ يسمى المجاز, وإذا نظرنا إلى المعاني المتعددة للفظ الواحد في أحد المعاجم فسنجد أحدها يفهم من اللفظ بطريق الحقيقة العرفية, ونجد بقيتها مجازات عن هذه الحقيقة, فإما أن يتضح فيها الطابع المجازي في وقتنا هذا, وإما أن يكون طول استعمالها في مجازٍ ما قد أحكم الربط بينها وبين هذا المجاز, حتى ليظنه غير الخبير به استعمالًا حقيقيًّا آخر للكلمة. وطرق المجاز معروفة مشهورة, فمن شاء فليرجع إليها في علم البيان, ولكن الذي لا بُدَّ أن نشير إليه هنا هو أن العناية في علم البيان إذ تتجه إلى دراسة اللفظ في دلالته على معناه العرفي "المطابقي", أو للدلالة على "بعض معناه", أو على "لازم معناه", تجعل علم البيان قمة علم المعجم, كما كان علم المعاني قمة علم النحو. ومن هنا يصبح علم البيان في إطار الثقافة العربية هو النظرية الوحيدة التي تصلح نواة لغرس علم جديد في تربة هذه الثقافة, يسمَّى علم المعجم