من الناس, نكتب كما نتكلم؛ بل إننا نكتب "أو نحاول أن نكتب" كما يكتب غيرنا, وإن أقل الناس ثقافة يشعرون، بمجرد وضع أيديهم على القلم، بأنهم يستعملون لغة خاصة غير اللغة المتكلمة، لها قواعدها واستعمالاتها كما أن لها ميدانها وأهميتها الخاصين بها "انظر ص340". وهذا الشعور له ما يبرره.
اللغة المكتوبة هي الطابع المميز للغات المشتركة. واللغة المشتركة بطبعها في نزاع دائم مع اللغة المتكلمة؛ لأن هذه الأخيرة في خضوعها للتأثيرات الفردية، تميل دائما إلى الابتعاد عن المثل الأعلى الذي تحتذية اللغة المشتركة, واللغة المكتوبة معرضة بدورها لضربات اللغة المتكلمة؛ لأن اللغة المشتركة تعتمد في مقاومتها على الكتابة أولا وقبل كل شيء, ومن جهة أخرى تستعمل الكتابة في التعبير عن كثير من اللغات الخاصة، بل لا وجود لبعض هذه اللغات الخاصة إلا في صورة مكتوبة. ولهذا الاعتبار أيضا كان الخلاف بين الكلام والكتابة أمرا مقررا ثابتا.
هذا الخلاف يتجلى في أوضح صوره في مسألة الرسم, فلا يوجد شعب لا يشكو منه إن قليلا وإن كثيرا, غير أن ما تعانيه الفرنسية والإنجليزية من جرائه قد يفوق ما في غيرهما, حتى أن بعضهم يعد مصيبة الرسم عندنا كارثة وطنية1. لذلك يهمنا أن نعرف مدى هذا الشر والأسباب التي أدت إليه وأنواع الدواء التي يمكن أن يعالج بها.
لعرض هذه المسألة على خير وجوهها، يجدر بنا أولا أن نتساءل إلى أي حد يمكن للرسم أن يخفف من وطأة الخلاف القائم بين الكلام والكتابة، وإلى أي